للعادة ، ويكون حينئذ كرامة باهرة تختص بها هذه الأمة تقيم صلبهم ، وتحفظ حماهم وتقيهم من كل شر يدب في جماعتهم ووحدتهم وبالآخرة سببا معجزا إلهيا يتلو القرآن الكريم ، ويعيش ما عاش القرآن ، نسبته إلى حياة الأمة العملية نسبة القرآن إلى حياتهم العلمية فكان من اللازم أن يبين القرآن حدوده وسعة دائرته ، ويمتن الله به كما أمتن بالقرآن وبمحمد صلىاللهعليهوآله ، ويبين لهذه العصابة وظيفتهم الاجتماعية كما بين لنبيه ذلك ، وأن يوصي به النبي صلىاللهعليهوآله أمته ، ولا سيما أصحابه الكرام وهم الذين صاروا بعده أهلا للحل والعقد ، وتقلدوا ولاية أمور الأمة ، وأن يبين أن هذه العصابة المسماة بأولي الأمر ما حقيقتها ، وما حدها وما سعة دائرة عملها ، وهل يتشكل هيئة حاكمة واحدة على جميع المسلمين في الأمور العامة لجميع الأمة الإسلامية؟ أو تنعقد في كل جمعية إسلامية جمعية أولي الأمر فيحكم في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم؟
ولكان من اللازم أن يهتم به المسلمون ولا سيما الصحابة فيسألوا عنه ويبحثوا فيه ، وقد سألوا عن أشياء لا قدر لها بالنسبة إلى هذه المهمة كالأهلة ، وما ذا ينفقون ، والأنفال قال تعالى : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ » و « يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ » و « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ » فما بالهم لم يسألوا؟ أو أنهم سألوا ثم لعبت به الأيدي فخفي علينا؟ فليس الأمر مما يخالف هوى أكثرية الأمة الجارية على هذه الطريقة حتى يقضوا عليه بالإعراض فالترك حتى ينسى.
ولكان من الواجب أن يحتج به في الاختلافات والفتن الواقعة بعد ارتحال النبي صلىاللهعليهوآله حينا بعد حين ، فما لهذه الحقيقة لا توجد لها عين ولا أثر في احتجاجاتهم ومناظراتهم ، وقد ضبطها النقلة بكلماتها وحروفها ، ولا توجد في خطاب ولا كتاب؟ ولم تظهر بين قدماء المفسرين من الصحابة والتابعين حتى ذهب إليه شرذمة من المتأخرين : الرازي وبعض من بعده!.
حتى أن الرازي أورد على هذا الوجه بعد ذكره : بأنه مخالف للإجماع المركب فإن الأقوال في معنى أولي الأمر لا تجاوز أربعة : الخلفاء الراشدون ، وأمراء السرايا ، والعلماء والأئمة المعصومون ، فالقول الخامس خرق للإجماع ، ثم أجاب بأنه في الحقيقة راجع إلى القول الثالث فأفسد على نفسه ما كان أصلحه فهذا كله يقضي بأن الأمر لم يكن بهذه المثابة ، ولم يفهم منه أنه عطية شريفة وموهبة عزيزة من معجزات الإسلام وكراماته الخارقة لأهل الحل والعقد من المسلمين.