في سبيل الله ، أو يغلب عدو الله ، وله أي حال أجر عظيم ، ولم يذكر ثالث الاحتمالين ـ وهو الانهزام ـ تلويحا إلى أن المقاتل في سبيل الله لا ينهزم.
وقدم القتل على الغلبة لأن ثوابه أجزل وأثبت فإن المقاتل الغالب على عدو الله وإن كان يكتب له الأجر العظيم إلا أنه على خطر الحبط باقتراف بعض الأعمال الموجبة لحبط الأعمال الصالحة ، واستتباع السيئة بعد الحسنة بخلاف القتل إذ لا حياة بعده إلا حياة الآخرة فالمقتول في سبيل الله يستوفي أجره العظيم حتما ، وأما الغالب في سبيل الله فأمره مراعى في استيفاء أجره.
قوله تعالى : « وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ » « إلخ » عطف على موضع لفظ الجلالة ، والآية تشتمل على حث وتحريض آخر على القتال في لفظ الاستفهام بتذكير أن قتالكم قتال في سبيل الله سبحانه ، وهو الذي لا بغية لكم في حياتكم السعيدة إلا رضوانه ، ولا سعادة أسعد من قربه ، وفي سبيل المستضعفين من رجالكم ونسائكم وولدانكم.
ففي الآية استنهاض وتهييج لكافة المؤمنين وإغراء لهم : أما المؤمنون خالصو الإيمان وطاهرو القلوب فيكفيهم ذكر الله جل ذكره في أن يقوموا على الحق ويلبوا نداء ربهم ويجيبوا داعيه ، وأما من دونهم من المؤمنين فإن لم يكفهم ذلك فليكفهم أن قتالهم هذا على أنه قتال في سبيل الله قتال في سبيل من استضعفه الكفار من رجالهم ونسائهم وذراريهم فليغيروا لهم وليتعصبوا.
والإسلام وإن أبطل كل نسب وسبب دون الإيمان إلا أنه أمضى بعد التلبس بالإيمان الأنساب والأسباب القومية فعلى المسلم أن يفدي عن أخيه المسلم المتصل به بالسبب الذي هو الإيمان ، وعن أقربائه من رجاله ونسائه وذراريه إذا كانوا على الإسلام فإن ذلك يعود بالآخرة إلى سبيل الله دون غيره.
وهؤلاء المستضعفون الذين هم أبعاضهم وأفلاذهم مؤمنون بالله سبحانه بدليل قوله : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا ) « إلخ » ، وهم مع ذلك مذللون معذبون يستصرخون ويستغيثون بقولهم : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، وقد أطلق الظلم ، ولم يقل : الظالم أهلها على أنفسهم ، وفيه إشعار بأنهم كانوا يظلمونهم بأنواع التعذيب والإيذاء وكذلك كان الأمر.
وقد عبر عن استغاثتهم واستنصارهم بأجمل لفظ وأحسن عبارة فلم يحك عنهم أنهم يقولون : يا للرجال ، يا للسراة ، يا قوماه ، يا عشيرتاه بل حكى أنهم يدعون ربهم