أمر آخر يستتبعه هذا الأسف والتحسر وهو سوء ظنهم برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنه هو الذي أوردهم هذا المورد وألقاهم في هذه التهلكة كما يشير إليه قولهم على ما تلوح إليه هذه الآيات : ( لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ) الآية ، وقول المنافقين فيما سيجيء : ( لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا ) الآية ، أي أطاعونا ولم يطيعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله فهو الذي أهلكهم ، فهي تبين أنه صلىاللهعليهوآله ليس له أن يخون أحدا بل هو رسول منه تعالى شريف النفس كريم المحتد عظيم الخلق يلين لهم برحمة من الله ، ويعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم في الأمر منه تعالى ، وأن الله من به عليهم ليخرجهم من الضلال إلى الهدى.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا » « إلخ » المراد بهؤلاء الذين كفروا ما هو ظاهر اللفظ أعني الكافرين دون المنافقين ـ كما قيل ـ لأن النفاق بما هو نفاق ليس منشأ لهذا القول ـ وإن كان المنافقون يقولون ذلك ـ وإنما منشؤه الكفر فيجب أن ينسب إلى الكافرين.
والضرب في الأرض كناية عن المسافرة ، وغزي جمع غاز كطالب وطلب وضارب وضرب ، وقوله : ( لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً ) ، أي ليعذبهم بها فهو من قبيل وضع المغيا موضع الغاية ، وقوله : ( وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) ، بيان لحقيقة الأمر التي أخطأ فيها الكافرون القائلون : لو كانوا ، وهذا الموت يشمل الموت حتف الأنف والقتل كما هو مقتضى إطلاق الموت وحده على ما تقدم ، وقوله : ( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) في موضع التعليل للنهي في قوله : ( لا تَكُونُوا ) « إلخ ».
وقوله : « ما ماتُوا وَما قُتِلُوا » ، قدم فيه الموت على القتل ليكون النشر على ترتيب اللف في قوله : ( إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى ) ، ولأن الموت أمر جار على الطبع والعادة المألوفة بخلاف القتل فإنه أمر استثنائي فقدم ما هو المألوف على غيره.
ومحصل الآية نهي المؤمنين أن يكونوا كالكافرين فيقولوا لمن مات منهم في خارج بلده أو قومه ، وفيمن قتل منهم في غزاة : ( لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ) فإن هذا القول يسوق الإنسان إلى عذاب قلبي ونقمة إلهية وهو الحسرة الملقاة في قلوبهم ، مع أنه من الجهل فإن القرب والبعد منهم ليس بمحيي ومميت بل الإحياء والإماتة من الشئون المختصة بالله وحده لا شريك له فليتقوا الله ولا يكونوا مثلهم فإن الله بما يعملون بصير.