هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ـ ١٨٠. )
(بيان)
الآيات مرتبطة بما تقدم من الآيات النازلة في غزوة أحد فكأنها وخاصة الآيات الأربع الأول منها تتمة لها لأن أهم ما تتعرض لها تلك الآيات قضية الابتلاء والامتحان الإلهي لعباده ، وعلى ذلك فهذه الآيات بمنزلة الفذلكة لآيات أحد يبين الله سبحانه فيها أن سنة الابتلاء والامتحان سنة جارية لا مناص عنها في كافر ولا مؤمن ، فالله سبحانه مبتليهما ليخرج ما في باطن كل منهما إلى ساحة الظهور فيتمحض الكافر للنار ويتميز الخبيث من الطيب في المؤمن.
قوله تعالى : « وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ » إلى آخر الآية تسلية ورفع للحزن ببيان حقيقة الأمر فإن مسارعتهم في الكفر وتظاهرهم على إطفاء نور الله وغلبتهم الظاهرة أحيانا ربما أوجبت أن يحزن المؤمن كأنهم غلبوا الله سبحانه في إرادة إعلاء كلمة الحق لكنه إذا تدبر في قضية الامتحان العام استيقن أن الله هو الغالب وأنهم جميعا واقعون في سبيل الغايات يوجهون إليها ليتم لهم الهداية التكوينية والتشريعية إلى غايات أمرهم فالكافر يوجه به بواسطة إشباعه بالعافية والنعمة والقدرة ـ وهو الاستدراج والمكر الإلهي ـ إلى آخر ما يمكنه أن يركبه من الطغيان والمعصية ، والمؤمن لا يزال يحك به محك الامتحان ليخلص ما في باطنه من الإيمان
المشوب بغيره ، فيخلص لله أو يخلص شركه فيهبط في مهبط غيره من أولياء الطاغوت وأئمة الكفر.
فمعنى الآية : لا يحزنك الذين يسرعون ولا يزال يشتد سرعتهم في الكفر فإنك إن تحزن فإنما تحزن لما تظن أنهم يضرون الله بذلك وليس كذلك فهم لا يضرون الله شيئا لأنهم مسخرون لله يسلك بهم في سير حياتهم إلى حيث لا يبقى لهم حظ في الآخرة ( وهو آخر حدهم في الكفر ) ولهم عذاب أليم فقوله : ( لا يَحْزُنْكَ ) ، أمر إرشادي ، وقوله : ( إِنَّهُمْ ) « إلخ » تعليل للنهي ، وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ ) « إلخ » تعليل وبيان لعدم ضررهم.