ثم ذكر تعالى نفي ضرر جميع الكافرين بالنسبة إليه أعم من المسارعين في الكفر وغيرهم ، وهو كالبيان الكلي بعد البيان الجزئي يصح أن يعلل به النهي ( لا يحزنك ) وأن يعلل به علته ( أنهم لن يضروا « إلخ » ) لأنه أعم يعلل به الأخص ، والمعنى : وإنما قلنا إن هؤلاء المسارعين لا يضرون الله شيئا لأن الكافرين جميعا لا يضرونه شيئا.
قوله تعالى : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، لما طيب نفس نبيه في مسارعة الكفار في كفرهم إن ذلك في الحقيقة تسخير إلهي لهم لينساقوا إلى حيث لا يبقى لهم حظ في الآخرة عطف الكلام إلى الكفار أنفسهم ، فبين أنه لا ينبغي لهم أن يفرحوا بما يجدونه من الإملاء والإمهال الإلهي فإن ذلك سوق لهم بالاستدراج إلى زيادة الإثم ، ووراء ذلك عذاب مهيمن ليس معه إلا الهوان ، كل ذلك بمقتضى سنة التكميل.
قوله تعالى : « ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ » « إلخ » ثم عطف الكلام إلى المؤمنين فبين أن سنة الابتلاء جارية فيهم ليتم تكميلهم أيضا فيخلص المؤمن الخالص من غيره ، ويتميز الخبيث من الطيب.
ولما أمكن أن يتوهم أن هناك طريقا آخر إلى تمييز الخبيث من الطيب وهو أن يطلعهم على الخبثاء حتى يتميزوا منهم فلا يقاسوا جميع هذه المحن والبلايا التي يقاسونها بسبب اختلاط المنافقين والذين في قلوبهم مرض بهم فدفع هذا الوهم بأن علم الغيب مما استأثر الله به نفسه فلا يطلع عليه أحدا إلا من اجتبى من رسله فإنه ربما أطلعه عليه بالوحي ، وذلك قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ ).
ثم ذكر أنه لما لم يكن من الابتلاء والتكميل محيد فآمنوا بالله ورسله حتى تنسلكوا في سلك الطيبين دون الخبثاء ، غير أن الإيمان وحده لا يكفي في بقاء طيب الحياة حتى يتم الأجر إلا بعمل صالح يرفع الإيمان إلى الله ويحفظ طيبه ، ولذلك قال أولا : ( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) ثم تممه ثانيا بقوله : ( وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ).
وقد ظهر من الآية أولا : أن قضية تكميل النفوس وإيصالها إلى غايتها ومقصدها من السعادة والشقاء مما لا محيص عنه.
وثانيا : أن الطيب والخباثة في عين أنهما منسوبان إلى ذوات الأشخاص يدوران