حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها وربما بادت وانقرضت إذ لم يساعدها العوامل والشرائط بعد ، والتاريخ يشهد (١) بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديمقراطية والاشتراك ، وإلى مثله يشير قوله تعالى : « ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) : ـ آل عمران : ١٣٧ ، يشير إلى أن السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة.
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الإنساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده بل هو من جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة.
والإسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية ، فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والشرائط حال سائر السنن وليس حال الإسلام اليوم ـ وقد تمكن في نفوس ما يزيد على أربعمائة مليون من أفراد البشر ونشب في قلوبهم ـ بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلىاللهعليهوآله وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة ولم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم.
وقد قام رسول الله صلىاللهعليهوآله بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعا صالحا ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كان.
وهذا الأنموذج اليسير على قصر عمره وضيق نطاقه لم يلبث حتى انبسط في أقل
__________________
(١) ومن أوضح الشواهد أن السنة الديمقراطية بعد الحرب العالمية الأولى ( وهي اليوم السنة العالمية المرضية الوحيدة ) تحولت في روسيا إلى الشيوعية والحكومة الاشتراكية ثم لحق لها بعد الحرب العالمية الثانية ممالك أوربا الشرقية ومملكة الصين فخسرت بذلك صفقة الديمقراطية فيما يقرب من نصف المجتمع البشري. وقد أعلنت المجتمعات الشيوعية قبل سنة تقريبا أن قائدها الفقيد « ستالين » كان قد حرف مدى حكومته وهو ثلاثون سنة تقريبا بعد حكومة لينين الحكومة الاشتراكية إلى الحكومة الفردية الاستبدادية وحتى اليوم لا تزال تؤمن به طائفة بعد الكفر ، وترتد عنها طائفة بعد الإيمان ، وهي تطوى وتبسط ، وهناك نماذج وأمثلة أخرى كثيرة في التاريخ.