وقوله : « وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » أي وما يرجع إلى قدرتي شيء مما عندكم من نفس أو عمل أو طاعة أو رزق ونعمة فإنما أنا رسول ليس عليه إلا البلاغ ، لكم أن تختاروا ما فيه رشدكم وخيركم أو تسقطوا في مهبط الهلكة من غير أن أقدر على جلب خير إليكم أو دفع شر منكم فهو كقوله تعالى : « فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » الأنعام : ـ ١٠٤.
قوله تعالى : « قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » إلى آخر الآية ، رد منهم لحجة شعيب عليه ، وهو من ألطف التركيب ، ومغزى مرادهم أنا في حرية فيما نختاره لأنفسنا من دين أو نتصرف به في أموالنا من وجوه التصرف ولست تملكنا حتى تأمرنا بكل ما أحببت أو تنهانا عن كل ما كرهت فإن ساءك شيء مما تشاهد منا بما تصلي وتتقرب إلى ربك وأردت أن تأمر وتنهى فلا تتعد نفسك لأنك لا تملك إلا إياها.
وقد أدوا مرادهم هذا في صورة بديعة مشوبة بالتهكم واللوم معا ومسبوكة في قالب الاستفهام الإنكاري وهو أن الذي تريده منا من ترك عبادة الأصنام ، وترك ما شئنا من التصرف في أموالنا هو الذي بعثتك إليه صلاتك وشوهته في عينك فأمرتك به لما أنها ملكتك لكنك أردت منا ما أرادته منك صلاتك ولست تملكنا أنت ولا صلاتك لأننا أحرار في شعورنا وإرادتنا لنا أن نختار أي دين شئنا ونتصرف في أموالنا أي تصرف أردنا من غير حجر ولا منع ولم ننتحل إلا ديننا الذي هو دين آبائنا ولم نتصرف إلا في أموالنا ولا حجر على ذي مال في ماله.
فما معنى أن تأمرك إياك صلاتك بشيء ونكون نحن الممتثلون لما أمرتك به؟وبعبارة أخرى ما معنى أن تأمرك صلاتك بفعلنا القائم بنا دونك؟ فهل هذا إلا سفها من الرأي؟ وإنك لأنت الحليم الرشيد والحليم لا يعجل في زجر من يراه مسيئا وانتقام من يراه مجرما حتى ينجلي له وجه الصواب ، والرشيد لا يقدم على أمر فيه غي وضلال فكيف أقدمت على مثل هذا الأمر السفهي الذي لا صورة له إلا الجهالة والغي؟
وقد ظهر بهذا البيان أولا : أنهم إنما نسبوا الأمر إلى الصلاة لما فيها من البعث والدعوة إلى معارضة القوم في عبادتهم الأصنام ونقصهم المكيال والميزان ،