مايستحقّه من الدرس والبحث والتوسعة والاستقصاء ، ولذلك كثف جهوده في هذا المجال ، وظلّ ملازماً لحلقات التدريس حتّى آخر سني حياته ، وفي ذلك يقول تلميذه ابن شهريار أبو عبد الله محمد بن أحمد الخازن :
|
حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمهالله بالمشهد المقدس الغروي ، وعلى ساكنه أفضل الصلوات في شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ١. |
ولعلّ انشغال الشيخ الطوسي بالتدريس وعمله المتواصل في بناء وتطوير مدرسته الجديدة كان السبب وراء الانتاج الفكري للشيخ وقلة التاليف عنده ، إذ أنّه لم يكتب غير الأمالي واختيار الرجال وشرح الشرح رغم أنّه عاش اثني عشر عاماً في النجف الأشرف ( ٤٤٨. ٤٦٠ ه ) منذ هجرته إليها وحتّى وفاته رحمهالله فيها.
وقد انفردت مدرسة الشيخ الطوسي في النجف بمميزات خاصة منها :
١. إنها أحادية الإتجاه ، حيث كان مذهب أهل البيت هو المادة الأساسية في تلك المدرسة ، بعد أن كانت مدرسته في بغداد تشتمل على أكثر من اتجاهٍ من مختلف المذاهب الإسلاميّة ، ولعل هذا يعود إلى أسباب عدة منها : انعدام التنافس المذهبي والصراع الفكري ، لأنّ سكان النجف وطلبتها كلهم من المنتمين لمذهب أهل البيت.
ثمّ خلو النجف الأشرف من العلماء الكبار الذين كان يجد أمثالهم في مدارس بغداد ، والذين كانوا يشكلون عنصر التحدي الذي لايملك الشيخ الطوسي أمامه إلا الدفاع عن كلّ شبهة ، أو الرد على أي رأي لايعتقد بصوابه ، وذلك من خلال المناظرات وحلقات الجدل والحوار التي كانت تزخر بها بغداد ومدارسها ، بالاضافة إلى ذلك فإنّ ابتعاد النجف الأشرف عن مركز الخلافة ساهم إلى حدٍّ بعيد في خلق أجواء هادئة قليلة التاثر بالمنازعات والصراعات السياسية التي كانت لها انعكاساتها المباشرة على الآراء المذهبية.
٢. ومما امتازت به مدرسة النجف الأشرف الجديدة كونها تسير ضمن حلقاتٍ دراسيةٍ
____________
١. ابن طاووس ، مهج الدعوات ، ص ٢١٨.