فقلت له : لقد أحسنت فيما قلت ، إلا أن لفظه ـ عليه السلام ـ يدل على أنه لم يكن نص عليه ، ألا تراه يقول : (ونحن الأعلون نسبا ، والأشدون بالرسول نوطا) ، فجعل الاحتجاج بالنسب وشدة القرب ، فلو
__________________
ظلمها وآذاها ، وأعفي قبرها ، واغاروا كذلك على امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وقا دوه للبيعة وفي عنقه الحبل ، وقد قال وهو يشير الى قبر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : (يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) انظر شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١١ ص ١١١.
واصبح جليس داره خمس وعشرين سنة صابرا محتسبا يرى تراثه نهبا حتى قاسى الدواهي العظام والمحن الجسام ومن ذلك حرب الجمل وصفين والنهروان ، كل ذلك حسدا وبغضا وكراهية له ، وما فعله بصناديدهم يوم بدر وحنين ، كما صرح بذلك اعداؤه ومبغضوه ، الى ان مضى قتيلا على يد بن ملجم المرادي ، ومن بعده ابنه الحسن ـ عليه السلام ـ غدروا به حتى جرعوه السموم ، ومنعوا دفنه عند جده المصطفى ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم جرت أعظم الدواهي والمصائب على ذريته فقتلوا سبطه الحسين واهل بيته ـ عليهم السلام ـ وسبوا نسائه واولاده من بلد الى بلد.
فراحت ذريته تقاسي ألوان العذاب والتشريد والقتل من بني أمية وبني العباس وغيرهم.
فكل ما جرى على أهل البيت ـ عليهم السلام ـ هو بسبب غصبهم الخلافة وتنحيتهم عنها ، ولو كانت الخلافة في يد أهلها لما جرى عليهم ما جرى ولم يجري على الأمة ما جرى من الفرقة والاختلاف والنزاع والفتن وليس هذا فحسب بل كل ما ابتليت به الأمة من محن وفقر وبلاء وذل وغير ذلك هو بسبب تركهم من اختاره الله ونصبه خليفة لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال تعالى : (وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا) الجن : الاية ١٦ ، وقال تعالى : (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) الاعراف : الاية ٩٦ ، ولهذا المعنى يشير سلمان الفارسي في قوله : ولكن أبيتم فوليتموها ـ أي الخلافة ـ غيره فابشروا بالبلايا واقنطوا من الرخاء (الاحتجاج ج ١ ص ١١١) واشار الى هذا المعنى ايضا أبو ذر في قوله : أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه ، فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). راجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧١ عند ذكر ما نقم على أبي ذر.