أمر ولده وذريته من بعده ، وفسح للناس أن يقيموا ملكا من عرضهم ، وواحدا منهم ، وجعل بنيه سوقة كبعض العامة ، لكان بنوه بعده قليلا بقاؤهم ، سريعا هلاكهم ، ولوثب عليهم الناس ذوو الأحقاد والترات من كل جهة ، يقتلونهم ويشردونهم كل مشرد ، ولو أنه عين ولدا من أولاده للملك ، وقام خواصه وخدمه وخوله بأمره بعده ، لحقنت دماء أهل بيته ، ولم تطل يد أحد من الناس إليهم لناموس الملك ، وأبهة السلطنة ، وقوة الرئاسة ، وحرمة الأمارة!
أفترى ذهب عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هذا المعنى ، أم أحب أن يستأصل أهله وذريته من بعده! وأين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة عنده ، الحبيبة إلى قلبه!
أتقول : إنه أحب أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة ، تتكفف الناس ، وأن يجعل عليا ، المكرم المعظم عنده ، الذي كانت حاله معه معلومة ، كأبى هريرة الدوسي ، وأنس ابن مالك الأنصاري ، يحكم الأمراء في دمه وعرضه ونفسه وولده ، فلا يستطيع الامتناع ، وعلى رأسه مائة ألف سيف مسلول ، تتلظى أكباد أصحابها عليه ، ويودون أن يشربوا دمه بأفواههم ، ويأكلوا لحمه بأسنانهم ، قد قتل أبناءهم وإخوانهم وآباءهم وأعمامهم ، والعهد لم يطل ، والقروح لم تتقرف (١) ، والجروح لم تندمل (٢)!
__________________
(١) تقرف الجرح : طلعت فوقه قشرة ، أي شارف البرء.
(٢) وهذا ما حصل بالفعل فإنه بعدما غصبوهم الخلافة بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أغاروا على ذريته وعترته وأول مالحق الأذى بفاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ بضعته وروحه التي بين جنبيه حتى كسروا ضلعها واسقطوا جنينها بين الحائط والباب وغصبوها نحلتها ، حتى فارقت الدنيا وملوء قلبها الحزن والأسى ، ودفنت ليلا لئلا يشهد جنازتها من