فالقضية إذاً ليست قضية مجاملات ، ولا هي نزاع حول التفوّه بألفاظ المدح والثناء ، أو النطق بالألقاب ، أو السكوت عنها ، بل القضية قضية إحقاق الحق وإرجاعه إلى أهله ، وهو الحق الذي غيّر اغتصابه من أهله مجرى التاريخ.
فلا يصح أن يقال : إنّ معاوية جعل الأمر لهما عليهماالسلام من بعده على سبيل التنازل عن حق هو له ، إرفاقاً بهما ، وتقرباً لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإذا بدا له بعد ذلك أن يسترجع هذا العطاء حين رأى المصلحة في ذلك فإنما يسترجع حقه.
نعم ، لا يصح أن يقال هذا ، لأنه إنما قال :
إنّ الأمر من بعده للحسن ثم للحسين.
ولم يقل : إنّ معاوية قد جعل الأمر لهما عليهماالسلام.
وهذا معناه : أنّ معاوية قد سجّل اعترافاً بحقيقة راهنة لم يكن له بدّ من الاعتراف بها ، وهي التي قرّرها الله ورسوله في حديث : «الأئمة بعدي اثنا عشر ...» ، وغيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة ، بالإضافة إلى حديث : «ابناي هذان إمامان ...» (١) ، وغير ذلك.
وبعبارة اُخرى : إنّ التعبير الوارد لم يكن أنّ معاوية قد جعل لهما الأمر من بعده لكي يرد احتمال أن يكون قد جعل لهما ما هو حق له.
بل التعبير هو : «إنّ الأمر بعد معاوية للحسن ثمّ للحسين» ، أي أنه قد
____________________
(١) تقدمت مصادر ذلك في أول هذا البحث ، فراجع.