وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، ومكث فيه ثمانية عشرة سنة ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة سنة وعشر سنين.
قالوأ : ولمّا جمع الله سبحانه شمله ، وأقرّ عينه ، وأتمّ له رؤياه ، ووسّع عليه في ملك الدنيا علم أنّ ذلك لا يبقى ولا يدوم ، فطلب من الله سبحانه نعيماً لا يفنى ، وتاقت نفسه إلى الجنّة ، فتمنّى الموت ودعا به ، ولم يتمنّ ذلك نبيّ قبله ولا بعده ، فقال : ( رَبِّ قَد ءَاتَيتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَنِي مِن تَأوِيلِ الأَحادِيثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأَرضِ أنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسلِماً وَأَلحِقنِي بِالصَّالحِينَ ) (١) فتوفّاه الله تعالى بمصر وهو نبيّ ، ودفن في النيل في صندوق من رخام ، وذلك أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه ، كلّ يحبّ أن يدفن في محلّته ، لما كانوا يرجون من بركاته ، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمرّ الماء عليه ، ثمّ يصل (٢) إلى جميع مصر ، فيكون كلّهم شركاء في بركته شرعاً ، فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى عليهالسلام لمّا خرج من مصر ، ودفنه عند آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. (٣)
وإنّما أوردت هذه القصّة بتمامها ليكون ذلك تسلية للمؤمن التقيّ ، وردّ على الجاحد الشقيّ ، فإنّ الله سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين ، ليكون الجزاء على قدر البلاء ، والثواب على قدر المشقّة ، لأنّه سبحانه هو المدبّر الحكيم العليم بمصالح عباده في معاشهم ومعادهم ، فتارة يكون البلاء في النفس والولد ـ كما مرّ في قصّة يعقوب ويوسف ـ ، وتارة يكون في ضنك العيش والفقر كما ذكر سيّدنا أمير المؤمنين عليه
__________________
١ ـ سورة يوسف : ١٠١.
٢ ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : رحل.
٣ ـ مجمع اليان : ٣ / ٢٦٦ ، عرائس المجالس : ١٤٢.