الإبل ، فسألهم : ما الخبر؟
فقال قائلهم : هبّت علينا سموم عاصف لو هبّت على جبل لأذابته بحرّها ، فأتت على أرواح الإبل جميعها ، ولم تترك منها كبيراً ولا صغيراً إلا أهلكته.
فبينا هو يتعجّب من ذلك ويحمد الله ويشكره إذ أتت الأكَرَةُ قائلين : قد نزلت بنا صاعقة فلم تترك من الزرع والأشجار والثمار شيئاً إلا أحرقته ، فلم يزده ذلك ولم يغيّره ولم يفتر لسانه عن ذكر الله وعن التسبيح والتقديس.
فبينما هو كذلك يحمد الله ويشكره إذ أتاه آت قد أتى باكياً حزيناً يلطم وجهه ويحثو التراب على رأسه ، فسأله أيّوب : ما الخبر؟
فقال : إنّ ابنك الأكبر أضاف باقي إخوته فوضع لهم الطعام وبعضهم قد ابتدأ بالأكل ، وبعضهم لم يبتدئ إذ خرّ السقف عليهم فماتوا جميعهم ، فاستعبر أيّوب ، ثم استشعر لباس الصبر ، والتوكّل على الله ، وتفويض الأمر إليه ، وأخذ في السجود قائلاً : يا ربّ إذا كنت لي لا أُبالي ، ثمّ بعد ذلك حلّ به من الأسقام والأمراض في بدنه ما لا يوصف كثرة ، ولم يشتك إلى مخلوق ، ولم يفوّض أمره إلى غير ربّه سبحانه ، وأمّا قوله : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أرحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) فإنّما كان لما روي أنّ الشيطان أتاه في صورة طبيب فقال : إن أردت أن أشفيك من علّتك فاسجد لي ، فإنّي اُزيل عنك ما يؤلمك ، وأشفيك من علّتك ، فصاح أيّوب عند ذلك ، واستغاث بالله قائلاً : ( أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، فولّى عنه إبليس ، وقد يأس منه فأتى زوجته رحمة بنت يوسف ووسوس إليها.
روي أنّه أتاه في صورة طبيب ، فدعته إلى مداواة أيّوب عليهالسلام ،
__________________
١ ـ سورة الأنبياء : ٨٣.