جماله ، لما شربوا من شراب جنّته في حضيرة قدسه ، أتحفهم بمقام قربه واُنسه ، يختارون قطع أوصالهم على قطع اتّصالهم ، وذهاب أنفسهم على بعد مؤنسهم.
أما ترى كيف أثنى الله على نبيّه أيّوب بقول : ( إنَّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعْمَ العَبدُ إنَّهُ أوّابٌ ) (١)؟ انظر كيف شرّفه الله بإضافته إلى نفسه ، وأثنى عليه بالصبر الجميل في محكم التنزيل ، وكان عليهالسلام في زمن يعقوب بن إسحاق عليهالسلام ، وتزوّج ليا (٢) بنت يعقوب ؛ وقيل : رحمة بنت يوسف (٣) ، وولد له سبعة بنين وثلاث بنات.
وكان له من المال والمواشي مالا يحصى كثرة. قيل : كان له أربعمائة عبد ما بين زرّاع وحمّال وراع وغير ذلك ، وكان في أخفض عيش وأنعم بال مدّة أربعين سنة ، ولمّا زاد الله ابتلاءه وامتحانه لا ليعلم صبره وشدّة عزيمته ، بل زيادة في درجته ، ورفعة لمنزلته ، أتاه جبرئيل عليهالسلام فقال : يا أيّوب ، أربعون سنة لك في خفض العيش والنعمة ، فاستعدّ للبلاء ، وارض بالقضاء ، فإنّك ستتبدّل بالنعمة محنة ، وبالغنى فقراً ، وبالصحّة سقماً.
فأجابه أيّوب : ليس عليّ بأس من ذلك إذا رضى الله به.
عذّب بما شئت غير البعد عنك تجد |
|
أوفى محبّ بما يرضيك مبتهجاً |
فمضى على ذلك مدّة فصلّى صلاة الصبح ، وأسند ظهر إلى المحراب وإذا بالضجّة قد علت ، وإذا بقائل يقول : يا أيّوب ، إنّ مواشيك كانت في الواد الفلاني فأتاه السيل واحتملها جميعاً ، وألقاها في البحر ، فبينما هو كذلك إذ أتته رعاة
____________
١ ـ سورة ص : ٤٤.
٢ ـ في قصص الأنبياء للراوندي : ١٤١ ح ١٥١ : إليا.
٣ ـ وقيل : رحمة بنت أفراثيم بن يوسف عليهالسلام. انظر تفسير البرهان : ٤ / ٥٣ وما بعدها ح ١١ ، ففيه قصّة أيّوب عليهالسلام مفصّلة نقلاً عن تحفة الاخوان.