بحر العلم ، هذا إمام الاُمّة ، هذا صاحب ( وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً ) (١) ، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم ، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.
غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه ، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً إلا باتّباع سبيله ، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.
فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتى إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً ، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً ، لا اُوقر كبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم ، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم.
لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين ، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي ، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
__________________
١ ـ سورة القصص : ٥.