ضروريّة لا يختلف في صحّتها ، ومتواترة لا يشكّ في واقعتها ، ونقلها المخالف ، ودوّنها الموالف ، وصارت في وضوحها كالشمس ، منزّهة عن الشك واللبس.
أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في كفر من أضرم نارها ، وشبّ اُوارها (١) ، وارتكب عارها ، واحتقب أوزارها ، وركب جملها ، وسلك سبلها.
وأمّا المنافق الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها ، ويصوّب فعل قائدها وسائقها ، ويرتكب التعسّف في تأويلها ، والتعصّب في تنزليها ، ويعتذر لمن سلب وقودها ، ونصبت عمودها ، وخالفت بعلها ونبيّها ، وحاربت سيّدها ووليّها.
ولمّا رأيت شدّة عضتها ، وحدة كلتها ، لا يرتدع بوعظ واعظ ، ولا ينتفع بلفظ لافظ ، قد طبع الشيطان على قلبها ، واستحوذ على فيها ، فغرقت في لجّة نفاقها ، وتاهت في بيداء شقاقها ، قد أحدقت الطغاة بجملها ، وحفّت البغاة بمحملها ، تمثّلتها في فكري ، وعنّفتها بزجري ، وخاطبتها بلسان الحال ، وعنّفتها ببيان المقال ، وقلت مشيراً إليها ، وزارياً عليها :
أيّها المائحة في غرب غيّها وجهلها ، المخالفة أمر ربّها وبعلها ، المنافقة بإسلامها ، والخارجة على إمامها ، الباغية بخروجها وحربها ، الكافرة بقالبها وقلبها ، ما للنساء وعقد البنود؟ وما لذوات وقود الجنود؟ ألم تؤمرين بالقرار في منزلك؟ أما كان لك شغل شاغل بمغزلك؟ نهيت أن تتبرّجي (٢) ، وعن بيتك
__________________
١ ـ الاُوار : شدّة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش. « لسان العرب : ٤ / ٣٥ ـ أور ـ ».
٢ ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب : ٣٢ و ٣٣ : ( يَا نِسَاءَ النَّبيِّ ... وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبرَّجنَ تَبَرُّج الجَاهِلِيَّةِ الاولَى ).