فبكى حتى اختلج جنباه ، ثم قال : واذلّاه لاُمّةٍ قتل ابن دعيّها ابن بنت نبيّها. (١)
فهل تجرّوا على أولياء الله إلا بكم؟ وهل ألحدوا في دين الله إلا بسببكم؟ ما أقام أبوك ابن صهّاك والياً من بعده ولا قلّده ولاية عهده إلا لعلمه بقوّة شقاقه ، وشدّة نفاقه ، وعظيم إلحاده ، وعميم فساده ، فقام عدوّ الله ناسجاً على منواله ، مقتدياً بأقواله وأفعاله ، فرفع بضبع المنافق الشقيّ ، وأعلا كعب المارق الغويّ ، أعني ابن هند البغيّة ، رأس العصابة الأمويّة ، فولّاه رقاب المسلمين ، وأذلّ بتوليته أعلام المؤمنين ، ومهّد له قواعد ظلم الأطهار ، وأوضح له مقاصد هضم الأخيار ، وقرن دولته بدولته ، وولايته بولايته ، ثمّ جعل الأمر شورى بعد انقضاء أجله ، وانتهاء اُكله ، بيد ابن عوفه قرين الشيطان وأليفه ، رأس الغدرة الكذبة ، أصحاب ليلة العقبة ، الذي نصبوا الغوائل لنبيّهم ، وأضمروا له القواتل بغيّهم ، وراموا تنفير ناقته ، واستئصال شأفته ، وأطلع الله نبيّه على ما أضمروا ، وحاق بهم سيّئات ما مكروا.
ما أدخله الزنيم في مشورته ، ولا جعله اللعين قياس نتيجته ، إلا لعلمه بخبث سريرته ، وسوء عقيدته ، وبغضه للحقّ وأهله ، وتعصّبه للباطل بقوله وفعله ، فجعلها في البيت الّذي رسخت في الشرك قوائمه ، وشمخت بالظلم دعائمه ، وشقيت بالنفاق شجرته ، وشاعت في الآفاق بدعته.
أوّل الاثمة ، وثالث الظلمة ، وفرع الشجرة الملعونة ورأس الاُمّة المفتونة ، حتى إذا قام منه زرع الباطل على سوقه ، وعمّ المسلمين بظلمه وفسوقه ، أجمعت الاُمّة على خلعه وخذله ، واجتمعت لحربه وقتله ، وسقته من كؤوس
__________________
١ ـ مجمع البيان : ٦١ / ١٥٥.