فرفعوا المصاحف على الرماح ، وبان من جملتها مصحف يقال إنّه مصحف الإمام وحملوه على أربعة رماح ، وأتبعوه بأربعمائة مصحف اُخرى ، ونادوا من كلّ جانب : فلسنا ولستم من المشركين ، ولا المجمعين على الردّة ، فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين وللبلدة ، وإن تدفعوها ففيها الفناء وكلّ بلاءٍ إلى مدّة. (١)
وكان جلّ عسكر أمير المؤمنين عليهالسلام منافقين عليهم لعائن الله كمسعر بن فدكي ، وزيد بن حصين الطائي ، والأشعث بن قيس الكندي ، وغيرهم ، ممّن كان أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين في الباطن ، وإنّما خرجوا معه تعصّباً لأنّهم كان لهم أضراب وأنداد عند معاوية ، فخرجوا حميّة لذلك وللدنيا ، ولهذا كان أكثرهم ممّن حضر حرب الحسين عليهالسلام ، واستحلّوا منه كلّ حرمة ، وأظهروا له كامن عداوتهم ، فلعنة الله عليهم ، وكذلك خذلوا مسلم بن عقيل وزيد ابن علي بن الحسين حتى قتل بين ظهرانيهم ، لم يراعوا فيه حرمة جدّه رسول الله ، فلهذا رمى الله بلدتهم بالذلّ الشامل والسيف القاطع ، واستجاب دعاء سيّد الوصيّين صلوات الله عليه بقوله : اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف الذيّال الميّال (٢) ، يبيد خضراءهم ، ويستأصل شأفتهم (٣).
قيل : إنّ رجلاً من ذوي العقول من أهل الكوفة لمّا رأى سبايا الحسين عليهالسلام وحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله وبناته يطاف بهنّ في شوارع الكوفة على أقتاب الجمال كاُسارى الخزر والترك عمد إلى جميع ما يملك من
__________________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٣ / ١٨٢.
٢ ـ الذيّال : الذي يجرّ ذيله على الأرض تبختراً. والميّال : الظالم.
٣ ـ نهج البلاغة : ١٧٤ خطبة رقم ١١٧ ، شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٧٧ ، الكامل في التاريخ : ٤ / ٥٨٧ ، البحار : ٣٤ / ٩١ ح ٩٤١ ، وج ٤١ / ٣٣٢ ح ٥٤ ، وج ٦٦ / ٣٢٧.