وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيثُ بعثهم أن يفتح لهم كنوزَ الذهبان ، ومعادن العِقيان (١) ، ومَغارس الجنان ، وأن يحشرَ معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل ذلك لسقط البلاء (٢) ، وبطل الجَزاء ، واضمحلّ (٣) الانباء ، ولَما وجَبَ للقابلين اُجور المبتَلين ، ولا استحقَّ المؤمنون (٤) ثواب المحسنين ، ولا لزِمت الأسماءُ معانيها ، ولكنّ الله سبحانه جعل رسلَه اُولي قوّةٍ في عزائمهم ، وضَعَفةً فيما ترى الأعين من حالاتهم ، مع قَناعةٍ تملأُ القلوب والعيون غنىً ، وخصاصة (٥) تملأُ الأبصار والأسماع أذىً.
ولو كانت الأنبياء أهل قوةٍ لا تُرامُ ، وعزّةٍ لا تُضامُ ، ومُلكٍ تُمدُّ نحوه أعناق الرجال [ وتشدّ إليه عُقَدُ الرحالِ ] (٦) ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار ، وأبعد لهم عن الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرةٍ لهم ، أو رغبة مائلةٍ بهم ، فكانت النيّات مشتركةً ، والحسنات مقتسمةً ، ولكنّ الله سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، اموراً له خاصّةً ، لاتَشوبها من غيرها شائبة ، فكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاءُ أجزلَ. (٧)
روى حنّان بن سدير ، عن ابي عبد الله عليهالسلام [ قال : آمن مع نوح من
__________________
١ ـ الذهبان : جمع ذهب. والعِقبان : نوع من الذهب ينمو في معدنه.
٢ ـ أي الامتحان الذي به يتميّز الخبيث من الطيّب.
٣ ـ في النهج : اضمحلّت. والمراد : سقط الوعد والوعيد.
٤ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : الموصوف ، وهو تصحيف.
٥ ـ خصاصة : فقر وحاجة.
٦ ـ من النهج.
٧ ـ نهج البلاغة : ٢٩١ خطبة رقم ١٩٢ « الخطبة القاصعة » ، عنه البحار : ٦ / ١١٤ ح ١١ ( قطعة ) ، وج ١٣ / ١٤١ ح ٦١ ( قطعة ) ، وج ١٤ / ٤٦٩.
ويأتي في ص ٦٥ أيضاً.