ولكن الله قد قضى ولا راد لقضائه أن يحتذوا حذوهم ، ويتبعوا نهجهم ، ويختلفوا كما اختلف الذين من قبلهم ، فحاق بهم مثل ما حاق بأولئك ، وتلك سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والخلاصة ـ إن الله قد أوعد المسلمين على التفرّق والاختلاف ، وذكّرهم بحال من سبقهم من أهل الكتاب الذين حلّ بهم عقابه في الدنيا جزاء أعمالهم من حبهم للدنيا وزينتها ، وتركهم حقوقه وحقوق الناس واختلافهم في دينهم لأجلها.
(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ويسخرون من فقراء المؤمنين كعبد الله ابن مسعود وعمّار وصهيب ، ويقولون : تركوا لذات الدنيا وعذّبوا أنفسهم بالعبادات.
كما يسخرون من أغنيائهم لأنهم لا يتنوّقون في النعيم ، بل يستعدون لما بعد الموت بترقية نفوسهم بالاعتقاد الصحيح المؤيد بالبينات والتحلي بفاضل الأخلاق ، وإعطاء فضل ما لهم للعاجزين والبائسين.
ثم ردّ على أولئك الساخرين الذين يرون أنهم في لذاتهم خير من أهل اليقين فى تقاهم فقال :
(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي إنه إذا استعلى بعض الكافرين على بعض المؤمنين برهة من الدهر في هذه الحياة القصيرة بما يكون لهم من الأتباع والأنصار والخدم والأعوان ، فإن المؤمنين المتقين سيكونون أعلى منهم في تلك الحياة الأبدية مقاما وأرفع منهم منزلة.
وآثر التعبير بالذين اتقوا عن الذين آمنوا ، إيماء إلى أن المفتونين بزخرف الدنيا يدّعون الإيمان لأنهم نشئوا بين قوم يدعون أهل الكتاب ، ومع هذا لم يعتد بإيمانهم فى الآخرة ، إذ لم تصحبه التقوى ، ولم يكن له أثر في النفس يولّد العمل الصالح كما قال : «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا».
(وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي إنه يعطى كثيرا بلا تضييق ولا تقتير