ركن عظيم من أعمال البرّ ، ومن ثمّ أجمع الصحابة على محاربة مانعى الزكاة من العرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن مانعها يهدم ركنا من أركان الإسلام ، وينقض أساس الإيمان.
وقد افتنّ الناس في منعها بما سموه حيلا شرعية ، وهى ليست من الشرع في شىء ، فكيف يؤكد الله علينا الزكاة ويذكرها في كتابه سبعين مرّة ، ثم يرضى أن نحتال عليه ونخادعه في تركها ، فلم إذا فرض وأوجب ، ورغّب ورهّب؟ وأحرى بمثل هذه الحيل أن تسمى حيلا شيطانية لا حيلا شرعية ، لأن فيها احتيالا على الله في إبطال فريضته.
ومن ذلك أن يأتي المزكى قبل تمام الحول (وهو شرط في وجوب الزكاة) بيوم أو يومين ويهب ماله لامرأته على أن ترده إليه بعد ذلك الميقات المضروب ، وهو بهذا يدكّ صرح الكتاب والسنة ، ويزعم مع هذا أنه مسلم مؤمن بالله ورسوله وكتابه.
وقد بينت السنة العملية والقولية قدر المأخوذ وحددته بمقدار ١/٤٠ من رأس المال ، وسبيل الأخذ ، وسائر أحكام الزكاة.
وبعد أن ذكر البر في الأعمال ذكر البر في الأخلاق ، فقال :
(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) أي والذين يوفون بعهودهم إذا عاهدوا عليها ، وهذا شامل لما يعاهد عليه الناس بعضهم بعضا ، ولما يعاهد عليه المؤمنون ربهم من السمع والطاعة لكل ما جاء به في دينه ، ولا يجب الوفاء به إذا كان في معصية.
ومثل العهود العقود ، فيجب علينا الوفاء بها ما لم تكن مخالفة لقواعد الدين العامة.
وفي الوفاء بالعهود والعقود حفظ كيان المجتمع من أن ينفرط عقده ، كما أن الغدر والإخلاف فيها هادم للنظام ، مفسد للعمران ؛ فما من أمة فقدت الوفاء بالعهد (وهو ركن الأمانة وقوام الصدق) إلا حل بها العقاب الإلهى ، فانتزعت الثقة من بين أفرادها حتى بين الأهل والعيال ، فيعيشون متخاذلين وكأنهم وحوش مفترسة ، ينتظر كل واحد وثبة الآخر عليه ، إذا أمكن يده أن تصل إليه ، ومن ثمّ يضطر أفرادها إلى الاستيثاق فى عقودهم بكل ما يقدرون عليه ، ويحترس كل منهم من غدر الآخر ، فلا يكون هناك