نهرا ، فقال لهم : إن الله سيختبر حالكم ويعلم المطيع منكم من العاصي ، والراضي من الساخط ، وستقابلون نهرا فمن شرب منه فليس من أشياعى المؤمنين ، إلا أن يكون ما يتناوله قليلا وهو غرفة تؤخذ باليد ، ومن لم يذقه فهو الذي يوثق به ويركن إليه عند الشدائد.
وحكمة هذا الابتلاء أن يختار المطيع الذي يرجى بلاؤه في القتال وثباته حين النزال ، ويبعد من يظهر عصيانه ، ويخشى في الوغى خذلانه ، فطاعة الجيش لقائده من أهم أسباب الظفر ، وأحوج القواد إلى ذلك من ولّى على قوم وهم له كارهون.
والخلاصة ـ أن مراتب الاختبار ثلاث :
(١) من يشرب فيروى ولا يبالى بمخالفة الأمر ، وهذا يتبرّأ منه.
(٢) من يأخذ بيده غرفة يبلّ بها ريقه ، وهو مقبول على ما به من نقص في الجملة.
(٣) من لا يذوق الماء أبدا ، وهذا هو المولى والنصير الذي يوثق باتحاده ويعوّل على جهاده.
(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لأنهم كانوا قد اعتادوا العصيان وفسد بأسهم وتزلزل إيمانهم ، ولم يبق فيهم من أهل الإيمان والغيرة على الدين إلا النفر القليل.
والقليل من ذوى العزائم الصادقة والنفوس التي أشربت حب الإيمان وامتلأت غيرة عليه ـ يفعل ما لا يفعله الكثير من ذوى الأهواء المختلفة ، والنزعات المتضاربة «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى».
(فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) أي فلما تخطى طالوت النهر هو ومن آمن معه وهم القليل الذين أطاعوه ، ولم يخالفوه فيما ندبهم إليه ، قال بعض ممن آمن معه من المؤمنين لبعض آخر منهم ، وهم الذين يظنون أنهم ملاقو الله ، لا قدرة لنا على محاربة جالوت وجنوده ، فضلا عن أن يكون لنا الغلب عليهم ، لما شاهدوا من كثرتهم وقوتهم ، فردّ عليهم الفريق الثاني لوثوقه