الحكمة التي لأجلها امتنع المسلمون في الصدر الأول عن تجميلها ، وفرشها بالطنافس وعمل الحلي فيها ، وصدق فيهم ما جاء في الأثر : «لتتّبعنّ سنن من قبلكم باعا فباعا حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه».
(تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) قيل إن البقرتين اللتين حملتا التابوت وجرّتا العجلة (العربية) من بعض بلاد فلسطين إلى بنى إسرائيل كانتا تسيران مسخّرتين بإلهام الملائكة وحراستهم ، ولم يكن لهما قائد ولا سائق.
وقد جرت العادة بأن ما يحدث بإلهام ولا كسب فيه للبشر وهو من الخير يسند إلى إلهام الملائكة.
وقالوا في سبب إتيان التابوت : إن أهل فلسطين ابتلوا بعد أخذ التابوت بالفيران فى زرعهم ، والبواسير في أنفسهم فتشاءموا منه ، وظنوا أن إله إسرائيل انتقم منهم ، فأعادوه على عجلة تجرها بقرتان ، ووضعوا فيه صور فيران وصور بواسير من الذهب ، جعلوا ذلك كفارة لذنبهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن في مجيء التابوت علامة على عناية الله بكم ، واصطفائه لكم هذا الملك الذي ينهض بشئونكم ، وينكل بعدوكم ، فعليكم أن ترضوا بملكه ، ولا تتفرقوا عنه ، بل عاونوه يرق بكم إلى مراقى السعادة والفلاح.
(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أي فلما خرج طالوت من البلد يصحبه هؤلاء الجند قال لهم هذه المقالة.
وقد روى أنهم لما رأوا التابوت لم يشكّوا في النصر ، فسارعوا إلى الجهاد ، فقال لهم طالوت : لا يخرج معى شيخ ولا مريض ، ولا رجل بنى بناء ولم يفرغ منه ، ولا صاحب تجارة مشتغل بها ، ولا رجل عليه دين ، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها ، ولا أبتغى إلا الشاب النشيط الفارغ ، فاجتمع إليه ممن اختاره ثمانون ألفا ، وكان الوقت قيظا (شديد الحر) وسلكوا مفازة فشكوا قلة الماء ، وسألوا الله أن يجرى لهم