وقد أبان سبحانه في هذه الآية جزاء ما يلاقيه المؤمن في تأييد الدعوة إلى دينه مما يصل به أحيانا إلى القتل في التغلب على من يصدّ الناس عن الدعوة ويقاتل في الدفاع عن الباطل ، فذكر ما أعد له من النعيم المقيم ، والرزق المتواصل ، والحياة التي لا يعرف كنهها إلا علام الغيوب ، جزاء ما فعل لتأييد حجة الله البالغة ، والجهر بالحق ، والصدع بأمر ربه ، فكان له ما كان مما لم تره عين ، ولا سمعت به أذن ، ولا خطر على قلب بشر.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) أي والله لنمتحننكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء وبعض المصايب المعتادة في المعاش ، كالجوع ونقص الثمار ، إذ كان أحدهم يؤمن فيفصل من أهله وعشيرته ويخرج صفر اليدين ، حتى لقد بلغ من جوعهم أن كانوا يتبلغون بتمرات يسيرات ، ولا سيما في غزوتي الأحزاب وتبوك ، وبنقص الأنفس بالقتل والموت من اجتواء المدينة ، فقد كانت حين الهجرة بلد وباء وحمى ثم حسن مناخها.
وفي الآية إيماء إلى أن الانتساب إلى الإيمان لا يقتضى سعة الرزق وبسط النفوذ وانتفاء المخاوف ، بل كل ذلك يجرى بحسب السنن التي سنها الله لخلقه ، فتقع المصايب متى وجدت أسبابها ، وكامل الإيمان يتأدب بمقاومة الشدائد ، ويتهذّب بوقوع الكوارث.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي وبشر الصابرين الذين يقولون هذه المقالة المعبرة عن الإيمان بالقضاء والقدر ـ بالظفر بحسن العاقبة في أمورهم كلها بحسب ما وضع من السنن في الكون. والصبر لا ينافى ما يحدث من الحزن حين حلول المصيبة ، فإن ذلك من الرقة والرحمة الطبيعيين فى الإنسان ، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند ما حضر ولده إبراهيم الموت ، فقيل له : أليس قد نهيتنا عن ذلك؟ قال : إنها الرحمة ، ثم قال :