وفي الآية إرشاد إلى منع التقليد لمن قدر على الاجتهاد.
فإذا اتبع المرء غيره في الدين ممن علم أنه على حق كالأنبياء والمجتهدين ـ فهذا ليس بتقليد ، بل اتباع لما أنزل الله ، كما قال تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فأقرب الناس إلى معرفة الحق هم الباحثون الذين ينظرون في الدلائل بقصد صحيح ، فإنهم إذا أخطئوا يوما أصابوا في آخر ، وأبعدهم عن معرفة الحق المقلدون ، لأنهم قطعوا على أنفسهم طريق العلم وسجلوا على عقولهم الحرمان من الفهم ، وهم لا يوصفون بإصابة الصواب ، لأن المصيب من يعرف أن هذا هو الحق ، والمقلد إنما يعرف أن فلانا قال هذا هو الحق ، فهو عارف بالقول فقط.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١))
تفسير المفردات
المثل الصفة والحال ، ونعق الراعي والمؤذن صاح ، وما لا يسمع أي لا يدرك بالاستماع إلا دعاء ونداء ، والفارق بينهما أن الدعاء للقريب والنداء للبعيد ، والفارق بين الكافر والضال أن الأول يرى الحق ويعرض عنه ، ويصرف نفسه عن دلائله ، فهو كالحيوان يرضى بأن يقوده غيره ويصرّفه كيف شاء ، والثاني يخطئ الطريق مع طلبه أو جهله بمعرفته بنفسه أو بدلالة غيره.
المعنى الجملي
بعد أن نعى سبحانه وتعالى على المقلدين من الكفار سوء حالهم من اتباعهم لآبائهم وساداتهم من الرؤساء دون استنادهم إلى برهان يعتمدون عليه ، أو حجة يركنون إليها.