كذلك من الأشياء المستلذة طبعا ما يتوقع فاعلها الضرر والأذى في نفسه ، أو من جهة منازعة الناس له فيه ، وهكذا الحال في ترك الجهاد فإنه يصون النفس عن خطر القتل ويصون المال عن الإنفاق منه حالا ، لكن فيه مفاسد ومضار مآلا كتسليط الكفار على بلاد المسلمين وأموالهم واستباحة حريمهم ، وقد يكون في ذلك القضاء عليهم ، وكفى بذلك خسرانا مبينا.
إلى أن في الجهاد الظفر بالغنائم ، والفرح بالاستيلاء على بلاد العدوّ ، وحفظ بيضة الإسلام ، وترغيب الناس في الدخول فيه ، وإعلاء كلمة الحق ، والثواب في الآخرة ، ومرضاة الله «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ».
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي إذا تصوّرتم قصور علمكم وكمال علم ربكم علمتم أنه تعالى لا يأمر إلا بما فيه الخير والمصلحة لكم ، فعليكم أن تمتثلوا وإن كرهته نفوسكم ، فاشتغلوا بطاعة الله ، ولا تلتفتوا إلى مقتضى طباعكم وما تهواه قلوبكم.
وقال بعض المفسرين : المراد بذلك أن المسلمين رأوا أنفسهم فئة قليلة حملت هذا الدين واهتدت به ، فخافوا أن يقاوموا المشركين بالقوة فيهلكوا ويضيع الحق الذي هدوا إليه وكلفوا إقامته والدعوة إليه ، فأبان لهم سبحانه أن سنته قد جرت بأن ينصر الحقّ وحزبه على الباطل وأهله ما استمسكوا به ودعوا إليه ودافعوا عنه ، وأن القعود عن المدافعة ضعف في الحق يغرى به أعداءه ، ويطمعهم بالتنكيل بحزبه والتألّب عليه للإيقاع به.
وقد سبق في علم الله أنه لا بد أن يظهر دينه وينصر أهله على قلتهم ، ويخذل أهل الباطل على كثرتهم كما قال : «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وقد علم الله هذا فأنتم لا تعلمون ما خبأ لكم في غيبه ، وستجدون صدق هذا في امتثال أمره ، والعمل بما يرشدكم إليه في كتابه.
وبعد أن ذكر أن القتال كتب على هذه الأمة بين مسألة سألوا عنها ، وهى القتال فى الشهر الحرام فقال :