إن العين لتدمع ، وإن القلب ليجزع ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
والجزع المذموم هو الذي يدعو صاحبه إلى فعل ما يمجّه العقل وينهى عنه الشرع ، مما نرى مثله عند الجماهير إذا حلّت بهم المصايب ، ونزلت بهم الكوارث.
روى مسلم عن أم سلمة رضى الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهمّ آجرني فى مصيبتى ، وأخلف لى خيرا منها ، إلا آجره الله في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عاقبته ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه».
وفي قوله : «إِنَّا لِلَّهِ» إقرار بالعبودية والملك ، وفي قوله : «وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» إقرار بالفناء والبعث من القبور ، واليقين بأن مرجع الأمر كله لله تعالى.
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) أي أولئك الصابرون لهم من ربهم مغفرة ومدح على ما فعلوا ، ورحمة يجدون أثرها في برد القلوب عند نزول المصيبة. وهذه الرحمة يحسد عليها الكافرون المؤمنين ، فإن الكافر الذي حرم من هذه الرحمة ، إذا نزلت به المصيبة تضيق به الأرض بما رحبت ، حتى لقد يقضى على نفسه بيده إذا لم يجد وسيلة للخلاص مما حلّ به (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) إلى الحق والصواب ، ومن ثم استسلموا للقضاء ، فلم يستحوذ الجزع على نفوسهم ، ففازوا بخير الدنيا والراحة فيها ، وسعادة الآخرة بتزكية النفس ، وتحليها بمكارم الأخلاق وصالح الأعمال.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨))