بنصر الله وقوة أهل الحق على قلتهم ، وخذلان أهل الباطل على كثرتهم ، كما حكى الله عنهم.
(قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ ، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) أي قال الذين يستيقنون بلقاء ربهم بالبعث ، ويتوقعون ما عنده من الجزاء والثواب : كثيرا ما رأينا الجماعات القليلة غلبت الجماعات الكثيرة حين يكتب الله لهم الترفيق بمشبئته وقدرته ، والله لا يذلّ من نصره وإن قلّ عدده ، ولا يعزّ من خذله وإن كثرت آلاته وعدده.
وهذا دليل منهم على ثقتهم بنصر الله وتوفيقه.
(وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) فهو ينصرهم على عدوهم ، ويثبتهم عند لقائه ، وفي هذا حضّ على الصبر المؤدى إلى الغلبة ، والثقة بالله عند الشدائد ، ومدلهمات الحوادث ، والرجوع إليه إذا فدح الخطب ، وعظم الأمر ، فهو القادر على النصر والتأييد لمن أخلص له من عباده.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي ولما ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين لأعدائه الفلسطينيين جالوت وجنوده ، وشاهدوا ما هم عليه من كثرة العدد والعدد لجئوا جميعا إلى الله يدعونه أن يفرغ على قلوبهم الصبر ، ويثبت أقدامهم في القتال ، ويملأ نفوسهم ثقة واطمئنانا ، وينصرهم على أولئك القوم الكافرين عبدة الأوثان الذين أشربوا حبّ الدنيا وامتلأت قلوبهم بالترهات والأباطيل.
ولقد راعوا الترتيب الطبيعي في الدعاء بحسب الأسباب الغالبة ، إذ الصبر سبب الثبات ، والثبات سبب النصر ، وأولى الناس بنصر الله المؤمنون.
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) أي فاستجاب الله دعاءهم ، فصبروا وثبتوا ونصروا فهزموهم وانتهى أمرهم بالهرب من المعركة وفاقا لسنته تعالى في نصر أهل الحق المؤمنين الصابرين على أهل الباطل الضالين.