وفى هذا الأسلوب مبالغة عظيمة زيادة فى توطين عزائم المؤمنين وتثبيتهم على الجهاد فى سبيله.
وبمعنى الآية قوله : «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» وقوله : «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» وقوله : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ».
وإنما شرع الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة ، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر من المؤمنين عددا ، حتى أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم وهمّوا بقتله وشرّدوا أصحابه ، فذهبت طائفة منهم إلى الحبشة وذهب آخرون إلى المدينة ، فلما استقروا بالمدينة وأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا إليه وقاموا بنصره وصارت المدينة لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه ـ شرع الجهاد ونزلت الآية مرخّصة فيه.
روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس أنه قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ليهلكنّ القوم. فأنزل الله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال.
ثم وصف سبحانه هؤلاء المؤمنين بقوله :
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) أي أولئك المظلومون هم الذين أخرجهم المشركون من مكة إلى المدينة وعذبوا بعضهم وسبوا بعضا آخر ، وما كان لهم من إساءة إليهم ولا ذنب جنوه إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له.