الإيضاح
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي والذين فارقوا أوطانهم ، وتركوا عشائرهم ، فى رضا الله وطاعته وجهاد أعدائه ، ثم قتلوا أو ماتوا وهم كذلك ـ ليثيبنّهم الله الثواب الجزيل جزاء ما ناضلوا عن دينه ، وأخلصوا فى الذود عنه ، وإن الله ليعطى من يشاء بغير حساب ، ويرزق الخلق كافة بارّهم وفاجرهم.
ثم بين هذا الرزق الحسن بقوله :
(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) أي ليدخلنّ المقتولين فى سبيله والموتى مهاجرين فى طاعة ربهم وذودا عن دينه ـ جنات النعيم ، ويكرمون فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كما لا ينالهم فيها مكروه ولا أذى كما قال «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً».
(وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) أي وإن الله الذي عمّت رحمته ، وعظمت نعمته ـ لعليم بمقاصدهم وأعمالهم وأعمال أعدائهم ، حليم فلم يعاجل هؤلاء المكذبين بالعقوبة جزاء تكذيبهم ومقاومتهم دعوة الدين.
(ذلك) أي ذلك الرزق الحسن والمدخل الكريم لمن قتلوا فى سبيل الله أو ماتوا ، ولهم أيضا النصر فى الدنيا على أعدائهم وإلى ذلك أشار بقوله :
(وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) أي وإن من جازى من المؤمنين بمثل ما عوقب به ظلما من المشركين ، فقاتلهم كما قاتلوه ثم بغى عليه باضطراره إلى الهجرة ومفارقة الوطن ـ لينصرنّه الله الذي لا يغالب ، ولينتقمنّ له من أعدائه ، ولينكّلنّ بهم ، ويمكننه منهم ، ويجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى والخلاصة ـ إنه تعالى كما يدخلهم مدخلا كريما ، يعدهم بالنصر على أعدائهم إذا هم قاتلوهم وبغوا عليهم وأخرجوهم من ديارهم.