المعنى الجملي
بعد أن قدّم عز اسمه ذكر نعمه وأنه رءوف بعباده رحيم بهم ، وأن الإنسان كفور بطبعه ، ومن ثم جحد الخالق لهذه النعم ـ أتبعه بزجر معاصريه عليه السلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته ، بذكر خطئهم فيما تمسكوا به من الشرائع ، وبيان أن لكل أمة شريعة خاصة ، ثم أمره بالثبات على ما هو عليه من الحق ، وأنه لا يضره عناد الجاحدين ، فالله هو الحكم بينهم وبينه يوم القيامة.
الإيضاح
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) أي إنا أنزلنا لأهل كل دين من الأديان السماوية شريعة خاصة يعملون بها ، و
يسيرون على نهجها ، لا يتخطونها إلى غيرها ، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى منسكها ما فى التوراة ، والأمة التي من مبعث عيسى إلى مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم منسكها ما فى الإنجيل ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم وهم من وجد حين مبعثه إلى يوم القيامة منسكهم ما فى القرآن ، لأن لكل زمان ما يليق به من الشرائع التي تناسب من فيه فى تلك الحقبة.
(فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي فلا ينبغى لهم أن ينازعوك فى أمر هذا الدين ، فإن تعيينه تعالى لكل أمة شريعة خاصة موجب لطاعة هؤلاء لك وعدم منازعتهم إياك فى أمر هذه الشريعة زعما منهم أن شريعتهم هى ما عيّن لآبائهم من التوراة والإنجيل ، فذلك خطأ منهم ، فإن ذلك إنما كان شريعة لمن مضى قبل نسخه بالقرآن.
والخلاصة ـ اثبت أيها الرسول على دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك منه ليزيلوك عنه ، والمراد بذلك تهييج حميّته عليه السلام ، وإلهاب غضبه لله ولدينه ، ومثل هذا كثير فى كتاب الله ، وكأنه قد قيل له : تأسّ بالأنبياء قبلك فى متاركة القوم الظالمين ، والإمساك عن مجادلتهم بعد اليأس من إيمانهم.