إلى خوارق العادات كما رأيتم فى قصص موسى ، ولا تدعوا نظم الدولة بل سوسوها كما كان يفعل داود وسليمان ، ولا تذروا الصبر فى جميع الأعمال كما رأيتم فى قصص أيوب ومن بعده.
ثم نعى على المسلمين ما سيحدث منهم فى مستأنف الزمان حين يتفرقون شيعا ، يذوق بعضهم بأس بعض ، ويجعلون الدين قطعا فيما بينهم كما تتوزع الجماعة الشيء يقتسمونه ، فيصير لهذا نصيب ولذاك آخر.
وهذا إخبار بالغيب ، لما سيحصل فى هذه الأمة الإسلامية ، وقد حدث فعلا وافترقت الأمة سياسيا واجتماعيا بوساطة بعض رؤساء الدين ، فأعرض الله عن هؤلاء المختلفين وقطّعهم بين الأمم ، كما قطعوا أمرهم بينهم واقتسموه.
ثم بين سبحانه أنه يثيب عباده على صالح الأعمال إذا كانت القلوب عامرة بالإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن كل عمل جلّ أو قل فهو مكتوب محفوظ لديه ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، وأن جميع الخلق راجعون إليه ، فيثيب كل إنسان بما عمل من خير أو شر ، وأن الساعة قد اقترب ميقاتها ، ثم أخبر أن المشركين يدعون إذ ذاك على أنفسهم بالويل والثبور ، ويقولون يا حسرتنا على ما فرطنا فى جنب الله ، وكنا ظالمين لأنفسنا ، ولا ينفع الندم إذ ذاك.
ندم البغاة ولات ساعة مندم |
|
والبغي مرتع مبتغيه وخيم |
الإيضاح
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ، وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) أي إن الدين عند الله هو الانقياد له وحده لا يقبل غيره ، وعليه اتفق جميع الأنبياء والشرائع ، وما اختلفوا إلا فى الرسوم والصور بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة ، فعليكم أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا من صنم أو وثن ، شجر أو حجر أو بشر أو ملك.
ثم نعى على المسلمين ما فعلوا من تفريق شأنهم فرقا وشيعا فقال :