فإن قلت العالم ليس بقديم ، والباري ليس بحادث ، كانت النسبة نسبة النفي. وقد التئم هذا القول من جزءين. يسمي النحويون أحدهما مبتدأ والآخر خبرا. ويسمي المتكلمون أحدهما موضوعا والآخر صفة. ويسمّي الفقهاء أحدهما حكما والآخر محكوما عليه. ويسمي المنطقيون أحدهما موضوعا وهو المخبر عنه والآخر محموله وهو الخبر. ونصطلح نحن على تسمية الفقهاء ، فنسميها حكما ومحكوما عليه. ولنسمّ مجموع الحكم والمحكوم عليه قضيّة ...» (١) ولم تكن الفقرة السابقة عرضا لمصطلحات تركيب القضيّة فحسب ، بل كانت طرحا جديدا وتبنّيا لعبارات بما تحمل من خلفيّة فقهيّة. فنرى الإمام ينتقل بالمحكّ إلى تداول الحكم والمحكوم عليه عوضا عن الخبر والمخبر عنه في المعيار ، أو بدلا عن الموضوع والمحمول. وقد استخدم الحكم والمحكوم عليه في مقدّمة المستصفى كما سنرى. والمحكوم اسم مفعول من حكم ، أطلق حكما مرادا منعه عن التبديل والتغيير والتخصيص (٢). ويلعب المحكوم عليه دور الموضوع في القضيّة المنطقيّة. ويستعمل اللفظ في الشرعيات ، «وأثر الخطاب المترتّب على الأفعال الشرعيّة ... كلّ ذلك محكوم اللّه تعالى ثبت بحكمه وإيجاده وتكوينه ، وإنّما سمّي حكم اللّه على لسان الفقهاء ...» (٣) ويعني الحكم أيضا القضيّة ككلّ. فنقول حكمنا أنّ كلّ خمر مسكرة. وقصد الغزالي بالحكم في المحكّ ومقدّمة المستصفى ما يحمل على المحكوم عليه.
ويطلق تعبير الحكم في الشرعيّات ، لأنّه : «عبارة عن حكم اللّه تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين» (٤) فأفعال المكلّفين هي المحكوم عليه. وكلمة حكم في اللغة هي : «الصرف والمنع للإصلاح ... ومن قوله تعالى أُحْكِمَتْ آيٰاتُهُ أي منعت وحفظت عن الغلط والكذب والباطل والخطأ
__________________
(١) المصدر نفسه ، ص ٢٣.
(٢) الجرجاني ، التعريفات ، ص ١٣٩.
(٣) الكفوي ، الكليّات ، ص ١٥٧.
(٤) الجرجاني ، التعريفات ، ص ٦٤.