وتطرّق الغزالي إلى عكس القضايا في تفصيله الرابع ، عقب التقابل ، جاعلا للعكس دورا في الاستدلال والبرهان والدليل الفقهيّ. فإذا لم تتطابق ، مثلا ، القضية المطلوبة مع الدليل النصّي والفقهيّ ، اعتمد العكس. وربما حصل المراد في حينها. «وهذا أيضا ـ أي العكس ـ يحتاج إليه وربما لا يصادف الدليل على المطلوب نفسه ، ويصادف على عكسه فيمكن التوصّل منه إلى المطلوب ...» (١) وهكذا يدخل الغزالي المنطق ضمن علوم المسلمين ، جاعلا العكس أداة استدلال تدعم عمليّات الاجتهاد والأحكام. فيرى أنّنا بعكس القول أو الحكم ، نعمل على حلّ التنافي بينهما وبين النصّ. ويؤدي التوافق بين الحالين إلى حصول الاجتهاد. ولم يغب عن باله حالات العكس ، وشروطها ، لكنه تميّز من المعيار بذكر الأمثلة الفقهيّة واستخدام التعابير الأصولية ، فقال : «وأعني بالعكس أن تجعل محكوما عليه والمحكوم عليه حكما ، ولا تتصرف فيه إلا هذا القدر وتبقى القضيّة صادقة ..» (٢) ، كما ذكر القضايا الأربع وعكسها ، لكنّه اصطلح على تسميتها الإسلامية : «نافية عامّة ، ونافية خاصّة ، ومثبتة عامة ، ومثبتة خاصّة». وسبق أن وضّحنا العامّ والخاصّ وتميّز المحكّ بهما. والنفي هنا بمعنى السلب : «وما يسلب عن الشيء فمسلوب عنه الشيء بالضرورة» (٣). أما الإثبات فبمعنى التأكيد ، ويسمى بالمنطق الإيجاب والموجب.
أما بحث القياس فلم يستطع الغزالي في «محكّ النظر» مجاوزة عادته التي دأب عليها في بداية فقرة القياس من كلّ مصنّف. وربّما كرّر من دون شهوة ، واقتضاء ذلك وحدة المضمون القياسيّ ، وعدم اختلافه في عناصره وأسسه بين كتاب وآخر. وها هو يبدأ بحثه في هذه الفقرة بالقول : «إنّ القياس عبارة عن أقاويل مخصوصة ألّفت تأليفا مخصوصا ونظّمت نظما
__________________
(١) المصدر نفسه ، ص ٣٠.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٣٠.
(٣) المصدر نفسه ، ص ٣٠.