مخصوصا بشرط مخصوص ، يلزم منه رأي هو مطلوب الناظر. والخلل يدخل تارة من الأقاويل التي هي مقدّمات القياس ، إذ تكون خالية عن شروطها ، وأخرى من كيفيّة الترتيب والنظم وإن كانت المقدمة صحيحة يقينيّة ، ومرة منهما جميعا ..» (١) فكل ما جاء في الفقرة شبيه بما تصدّر القياس في المعيار والمقاصد.
ومن ثم يسير الغزالي على وتيرة توزيع القياس إلى صورة ومادّة ، جاعلا من صحة الاثنين طريقا لتكوين الصحيح من الفاسد. وكان البحث في المحكّ أشدّ اختصارا منه في المعيار. لكنه اختلف بنيويا ، وخصوصا في المصطلح والأبعاد والغرض. إذ نجد أن الغزالي انعتق من المحافظة على التعابير المنطقيّة والمعاني الفلسفيّة ، وأخذ بتطبيع المصطلحات بالمضامين الإسلامية تماما.
وأحدث الغزالي في المحكّ موضوعات جديدة ، أبرزها حصر مدارك الأقيسة الفقهيّة وطريقا الإلحاق. وبرزت هذه الجدّة مترافقة مع الميل التامّ نحو معاينة المسائل الدينيّة والخصوصيّات اللغوية ، التي ستظهر جليّة خلال تحليلنا. وسنستنير في المقارنة بين القياس في المحكّ والمعيار ، فنميّز خطّ التحوّل ، كشفا لتوجّه الإمام ، وإبرازا للمصطلحات والمفردات بمعانيها وأغراضها.
بدأ الغزالي تصفّحه أنواع الأقيسة ، فذكر النوع الأول منها هو الحمليّ ، الذي احتبسه على ثلاثة أشكال ، سمّي الشكل منه بالنظم.
والنظم اصطلاح جديد بزغ في المحك واعتمد. وهو يشير في حقيقته إلى دلالات دينية ولغويّة. ف «النظم ، هي العبارات التي تشتمل عليه المصاحف صيغة ولغة» (٢). و «النظم في اللغة جمع اللؤلؤ في السلك ، وفي
__________________
(١) الغزالي ، محكّ النظر ، ص ٦ ـ ٧.
(٢) الجرجاني ، التعريفات ، ص ١٦٦.