على ما ذكرنا. وقد كانت أمثلة التعاند في المحكّ (١) شبيهة بأمثلة الشرطيّ المنفصل في المعيار. وليس ضروريّا أن تتألف مقدّمة التعاند من قسمين وقضيّتين ، فربّما تكوّنت من ثلاث. ف «إنّا نقول هذا الشيء إمّا مساو وإمّا أقلّ وإمّا أكثر فهذه ثلاثة ، ولكنّها حاصرة. فإثبات واحد ينتج نفي الآخرين ، وإبطال اثنين ينتج إثبات الثالث ...» (٢) وبهذا الشرح يقترب الغزالي من السبر والتقسيم.
ما إن يختم فصل أشكال القياس في المحكّ حتى تتيسّر مادّته وتتخيّر دربا سرى عليه الغزالي في كتبه السابقة ، من دون استحداث طرق ومنازل ، اللهمّ سوى المعاني الإسلامية والأغراض الأصولية. وقيل مادّة القياس تمييزا من الصورة ، إذ ورد التعبير عند كلّ المناطقة من دون استثناء.
والمادّة : «هي التي يحصل الشيء معها» (٣). وهذا التعريف يستند على نظرة أرسطو الفلسفية ، التي ترى أنّ المادة شيء ما بالقوة ، يكتمل حين تحقّقه الصورة. وقد اصطلح الغزالي والمشائية الإسلامية عليها ليشيروا إلى مضمون المقدمات القياسيّة ، يقينيّة كانت أو ظنيّة.
أما «صورة الشيء فما به يحصل الشيء بالفعل» (٤). وأصابت منطقيّا في دلالتها على النظم وصورته ومعاييره ، من دون تناول يقينيّة قضاياه.
ويقول أبو البقاء عنها : «تطلق الصورة على ترتيب الأشكال ووضع بعضها من بعض واختلاف تركيبها ... وقد تطلق على ترتيب المعاني التي ليست محسوسة ، فإنّ للمعاني ترتيبا أيضا وتركيبا وتناسبا ...» (٥). وكان أن ورد تعبيرا المادّة والصورة في المقاصد والمعيار ، بينما استعيض عنهما في
__________________
(١) الغزالي ، المحكّ ، ص ٤٢ ـ ٤٤.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٤٣.
(٣) الجرجاني ، التعريفات ، ص ١٣١.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٩٢.
(٥) الكفوي ، الكليّات ، ص ٢٢٦.