المحكّ والمستصفى باليقين والنظم. وتكلّم الغزالي عن يقينيّة المقدّمات وظنيّتها لينصاغ القياس المنتج (١). ولم يخرج عن صوريّة القياس في شروحه ، ولا سيّما إنه لم يعزل الصورة تماما عن المعاني الأرسطوية والإسلامية. ويمثّل على المادة قائلا : إنّها بمثابة الخشب للسرير أو القماش للقميص (٢).
وأمّا اليقين فاصطلاح إسلامي يستخدم في مواضع عدة : «فاليقين في اللغة ، العلم الذي لا شكّ معه ، وفي الاصطلاح اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنّه لا يمكن إلاّ كذا مطابقا للواقع» (٣). ويستعمل أيضا في المعرفة الإيمانية مقابل اصطلاح الاعتقاد في المعرفة العقلية. إذ قال الجرجاني : اليقين «عند أهل الحقيقة رؤية العيان بقوّة الإيمان لا بالحجّة والبرهان.
وقيل مشاهدة الغيوب بصفاء القلوب وملاحظة الأسرار ... (٤). وقد نزع الغزالي ومعظم فلاسفة المسلمين نزعات صوفيّة مختلفة. وليس مستغربا أو مستهجنا اختلاط معارفهم بالمفاهيم والمصطلحات الصوفيّة ، التي فعلت فعلها في رؤيتهم وتحاليلهم. وأشرق اليقين لفظا مكان الاعتقاد عند الغزالي ، وحلّت المكاشفة اليقينية محلّ الاعتقاد العقليّ. كما يشير اليقين إلى المقدمات التي لا تقبل الشكّ» ، فالظن أحد طرفي الشكّ بصفة الرجحان (٥). ويستعمل لفظ الظنّ «عند الفقهاء من قبيل الشكّ ، لأنهم يريدون به التردّد بين وجود الشيء وعدمه ، سواء استويا أو ترجّح أحدهما ..» (٦).
__________________
(١) الغزالي ، المحكّ ، ص ٤٥.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٤٤.
(٣) الجرجاني ، التعريفات ، ص ١٧٨.
(٤) المرجع نفسه ، ص ١٧٨.
(٥) المرجع نفسه ، ص ١٩٦.
(٦) الكفوي ، الكليّات ، ص ٢٣٩.