فإن دل على المحذوف منهما دليل جاز الحذف ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١٨٠] أى : لا يحسبن الذين يبخلون ما يبخلون به هو خيرا لهم.
وحذف المفعولين أسهل من حذف أحدهما ؛ لكن بشرط الفائدة.
فلو قال قائل دون تقدم كلام ، ولا ما يقوم مقامه : «ظننت» مقتصرا لم يجز لعدم الفائدة.
نص على ذلك سيبويه (١) ـ رحمهالله ـ إذ لا يخلو أحد من ظن.
فلو قارنه سبب يقتضى تجدد مظنون جاز ذلك لحصول الفائدة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية : ٢٤] وكقول بعض العرب : «من يسمع يخل» (٢).
(ص)
و (أن) و (أنّ) مع ما به وصل |
|
عن جزأى الإسناد مغنيا جعل |
ك (يحسبون أنّهم على شى) |
|
و (ما ظننت أن يخان فى الفى) |
وما سوى (هب) و (تعلّم) و (وهب) |
|
صرّف وأوجب للصّروف ما وجب |
(ش) كل واحدة من «أنّ» و «أن» بصلتها تتضمن مسندا ومسندا إليه مصرحا بهما ؛ فلذلك اكتفى بما ذكر منهما بعد «ظنّ» وأخواتها ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ٢٥٩] ، وقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢]
وهذا شبيه بالاكتفاء بـ «أن تفعل» (٣) بعد «عسى» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] فلو جىء بمصدر صريح لم يكن بد من ذكر الخبر.
وأفعال هذا الباب كلها تتصرف إلا «هب» و «تعلّم» و «وهب».
ويمكن أن يكون «هب» من «وهب» ؛ فتكون فى هذا الباب نظير «كاد» و «أوشك»
__________________
(١) ينظر الكتاب (١ / ٤٠)
(٢) يقال : خلت إخال ، بالكسر وهو الأفصح ، وبنو أسد يقولون : «أخال» بالفتح ، وهو القياس.
المعنى : من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع فى نفسة عليهم بالمكروه. ينظر مجمع الأمثال ٣ / ٣١٠ ، والمستقصى فى أمثال العرب ٢ / ٣٦٢.
(٣) فى أ: بأن يفعل.