خاتمة
من هذا العرض السابق نستطيع أن نطمئنّ إلى علوّ مكانة ابن مالك ، ورفعة قدره فى العربيّة وفروعها ، وبخاصة النحو واللغة ، وإلى أن ما أخذه عليه أبو حيّان الأندلسى من : «أنه لم يكن له نسج مشهور يعتمد عليه ، ويرجع فى حل المشكلات إليه ؛ وأنه لهذا كان يحتمل المباحثة ، ولا يثبت للمناقشة ؛ لأنه إنما أخذ هذا العلم بالنظر فيه بخاصّة نفسه».
أقول : إن ما أخذه أبو حيّان ، كان مأخذا مردودا لم يقبله أحد من معاصريه ؛ كما لم يقبله أحد من اللاحقين ؛ لأن علم ابن مالك ، وفضله ، وما كان له من مكانة بين علماء عصره ، وما تركه بعده من مصنفات قيّمة شغلت العلماء بها شرحا وإيضاحا وإبانة وتعليقا ، وشغلت الطلاب بها ؛ دراسة وفهما ومناقشة وتتبّعا ، وما خلفهم من تلاميذ ومريدين حملوا بعده العبء ، وتصدوا للتعليم والهداية ـ كان خير ردّ على أبى حيّان ، وأقوى برهان ضدّه.
ولقد اعترف أبو حيّان نفسه بما كان لابن مالك من فضل ، وما أسداه إلى اللغة من يد ، فهو يقول : «إن ابن مالك نظم فى هذا العلم كثيرا ونثر ؛ وجمع باعتكافه ومراجعته غرائب ، وحوت مصنفاته نوادر وعجائب ، وإنّ من عرف ما فى تسهيله لا يكون تحت السماء من هو أنحى منه».
* * *