فلا خلاف فى منع توكيد النكرة غير المحدودة ؛ إذ لا فائدة فى توكيدها ، وقول الشاعر : [من الطويل]
أولاك بنو خير وشرّ كليهما |
|
جميعا ومعروف ألمّ ومنكر (١) |
محمول على نية الألف واللام فى «خير» و «شرّ». ونظيره ما حكى الخليل عن بعضهم : «ما ينبغى هذا للرّجل خير منك» وفسره بإرادة الألف واللام فى «خير».
ويجوز أن يجعل «كليهما» توكيدا ؛ لأن الذاكر «خيرا وشرّا» قد يظن أنه غالط ، فإذا ذكر «كليهما» أفاد العلم بأنه لم يغلط.
وأما النكرة المحدودة فاختلف فى توكيدها :
فمنعه البصريون ، وأجازه الكوفيون.
وإجازته أولى بالصواب ؛ لصحة السماع بذلك ؛ ولأن فى ذلك فائدة فإن من قال : «صمت شهرا» قد يريد جميع الشهر ، وقد يريد أكثره ، ففى قوله احتمال ؛ فإذا قال : «صمت شهرا كلّه» ارتفع الاحتمال ، وصار قوله نصّا على مقصوده ؛ فلو لم ينقل استعماله عن العرب ، لكان جديرا بأن يستعمل قياسا ؛ فكيف به واستعماله ثابت ؛ كقول الراجز : [من الرجز]
قد صرّت (٢) البكرة يوما أجمعا (٣)
وكقول الآخر : [من الرجز]
يا ليتنى كنت صبيّا مرضعا |
|
تحملنى الذّلفاء حولا أكتعا (٤) |
وإذا كان المؤكد مثنى لم يؤكد إلا بالنفس أو بالعين أو بـ «كلا» فى التذكير وب «كلتا» فى التأنيث.
__________________
(١) البيت لمسافع بن حذيفة العبسى فى خزانة الأدب ٥ / ١٧١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٩٩٠ ، وبلا نسبة فى حاشية يس ٢ / ١٢٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٥.
(٢) الصّرّة : شدة الصياح. ينظر : مقاييس اللغة (صرر).
(٣) الرجز بلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٩١ ، والإنصاف ٢ / ٤٥٥ ، وخزانة الأدب ١ / ١٨١ ، ٥ / ١٩٦ ، والدرر ٦ / ٣٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٤٤ ، ٤٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٥ ، والمقرب ١ / ٢٤٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٤.
(٤) تقدم تخريج هذا الرجز قريبا.