بغداد (قاض) ، فخرج المسلمون لاستقباله ، وكانوا يحملون له عواطف احترام كبيرة.
ثم حدث أن احتفلت الولاية بعيد الجلوس السلطاني في دائرة المشيرية ، وحضر من جملة من حضر من المهنئين ذلك القنصل الفرنسي بزيارة رسمية ، ولما دخل القنصل نهض الجميع من الموظفين ووقف ضباط الجيش لاستقباله كما تقتضي التقاليد الديبلوماسية عدا القاضي ، فإنه لم ينهض ، فلما لاحظ القنصل ذلك عده قلّة احترام له من القاضي ، فأخذ يحدث المشير بالفرنسية معاتبا إيّاه على ذلك ، وبلغ من حدّة القنصل وغضبه أن طلب ترجمة ما قاله باللغة التركية لكي يفهم الحضار.
أما المشير فكان بدلا من أن يترجم أخذ يفهم القنصل أن عدم قيام القاضي لم يكن لقلة اهتمام به ، وإنما كان القاضي يرى أن تقاليده الدينية لا تسمح له بذلك ، ولكن الحادثة لم تنته عند هذا الحد فكان بين الحاضرين من يفهم الفرنسية ، ولم يلبث أمر هذه المشادة أن انتشر بين المسلمين ، وثار ثائرهم ، فعدوا ذلك إهانة من الأجنبي بحق رئيسهم الديني فعولوا على القيام بمظاهرة عدائية ضد الأجانب ، ومهاجمة القنصلية الإفرنسية ، وقتل القنصل .. ومن حسن الحظ أن المشير علم بالخبر قبل أن يحدث ما يعكر الصفو ، فأحاط القنصلية بقوة من الجيش للحيلولة دون مهاجمتها ، ودعا الوزير جماعة من أعيان البلد. فطلب منهم تهدئة الخواطر العامة خوفا من حدوث ما لا تحمد عواقبه ...
وهكذا انتهت الحادثة. فلما علم الباب العالي بالأمر عزل القاضي تسكينا للفتنة (١) ..
وهذا لا يأتلف والعقلية الفاضلة بعد معرفة السبب وأنه ديني.
__________________
(١) كتاب نجيب شيحة.