النظامية دمرته ، فذهب خائبا وفرّ .. فعلم العشائر يقينا أنهم لا يستطيعون مقاومة الجيش بالرغم من أن مجموعهم بلغ المائة ألف وأكثر ، وجسّرهم على هذا ما رأوا من فرقة الديوانية من برودة وتهاون ، وما شاهدوا من تسامح معهم ..
ولما علم الثوار أن عبد الكريم شيخ شمر قد ورد أنحاء بغداد ، حاولوا أن يمنعوا الاتصال به ، كما أن سد النهر مما يؤثر في كل هؤلاء .. فصاروا يهاجمون متواليا ومن كل صوب .. وهاجموا سرية عسكر كانت قد خرجت لتدارك التبن للحيوانات ، فعلم الوزير بذلك فسير سريتين من كل فوج لإمدادهم ومعاونتهم فجرت معركة حامية سقط فيها من العسكر ستة أفراد وجملة من الجرحى ، ومن الثوار قتل أكثر من خمسمائة ، وفر الباقون ، ورموا بأنفسهم في شط الدغارة ، فقد ملّوا ، ولم يبق لهم عزم في البقاء ..
واستفادة من هذا القرار صدرت الأوامر بلزوم تعقب أثرهم بواسطة خيالة الجيش النظامي ومن المنتفق والچچن والكرد والبغالة فألقي القبض على الكثير منهم ، ووجد معهم الأسلاك البرقية ..
وفي كل ذلك لم يقف أمر الاشتغال في السد ، وفي اليوم الثالث عشر تمّ ، فانقطعت المياه ثم صار يقل ماء الأهوار ، وتيبس الأراضي .. ومن هنا حصل يأس كبير .. في العشائر ، فأظهروا حينئذ الندم ، وطلبوا العفو .. وبعد أن دامت الفتنة نحو شهرين زالت من البين ، ولم يبق لهذه الغائلة أثر مهم ، لما قام به الوزير من إجراءات وتدابير صائبة ..
وهذه الغائلة من أهم ما حدث في العراق من الغوائل ، فلم يعهد أن اتفق جميع العشائر هناك على محاربة الحكومة ، وكادوا يقهرونها .. ولم يشترك مع هؤلاء أهل الهندية ، فلم يبق أحد إلا اشترك من سائر القبائل. وكل ما يقال عن هؤلاء أنهم لا يفرقون بين الخير والشر ، وإنما