أن المندوب ليس بمنادى (١) ، لأن المنادى يطلب إقباله بخلاف المندوب والصحيح ما قاله الجمهور : إنه منادى لأنه مطلوب إقباله مجازا (٢) ، كما تنادى الديار والأطلال والميت أقرب إلى الإجابة ، لأنه قد كان أهلا لها ، قال الجزولي : (٣) المندوب منادى على حدّ التفجع ، فإذا قلت (وا زيد) فكأنك تناديه وتقول : تعال فإني مشتاق إليك ومنه قولهم في المراثي : (لا تبعد) (٤) أي لا تهلك ، من ضنهم بالميت عن الموت يصورونه حيا ، وكذا المندوب المتوجع منه (٥) نحو (واثبواره) أي احضر حتى يتعجب من فظاعتك ، والدليل على أنه مدعو قوله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(٦) فإنه أمرهم أن يقولوا : واثبورا.
قوله : (وهو المتفجع عليه) (٧) دخل كل متفجع بـ (يا) أو (وا) خرج
__________________
(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٥٦.
(٢) ينظر شرح المفصل ٢ / ١٣ ، وشرح الرضي ١ / ١٥٦.
(٣) الجزولي هو عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت بن عيسى البربري أبو موسى الجزولي ، شرح أصول ابن السراج ، والمقدمة المشهورة على الجمل للزجاجي مات سنة ٦٠٧ ه.
(٤) ومنه قول مالك بن الريب يرثي نفسه. وهو في اللسان (بعد) ١ / ٣١٠ :
يقولون لا تبعد وهم يدفنوني |
|
وأين مكان البعد إلا مكانيا |
(٥) قال سيبويه في الكتاب ٢ / ٢٢٠ : اعلم أن المندوب مدعو ولكنه متفجع عليه ، فإن شئت ألحقت في آخر الاسم الألف لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها ، وإن شئت لم تلحق كما لم تلحق في النداء. وقال السيرافي : هامش الكتاب ٢ / ٢٢٠ : الندبة تفجع ونوع من حزن وغم يلحق النادب على المندوب عند فقده فيدعوه وإن كان يعلم أنه لا يجيب لإزالة الشدة التي رهقته ولما كان المندوب ليس بحيث يسمع احتيج إلى غاية بعد الصوت فألزموا أوله (يا) أو (وا) وآخره الألف في الأكثر من الكلام لأن الألف أبعد للصوت وأمكن للمد) ...
(٦) الفرقان ٢٥ / ١٤ ، والثبور : الهلاك.
(٧) قال الرضي في شرحه ١ / ١٥٦ : دخل فيه المجرور في نحو (تفجعت على زيد) ، فلما قال بـ (يا أووا) أخرج وكل منادى يدخله معنى من المعاني كالاستغاثة والتعجب والندبة ، لا يستعمل فيه إلا حرف النداء المشهور أعني يا.