بمثالين ، لأن منهم من جعل الفعل علة في المصدر ، فلا يستقيم لكم ذلك في (قعدت عن الحرب جبنا) (١) أن يكون القعود سببا في الجبن بل العكس.
قوله : (خلافا للزجاج فإنه عنده مصدر) (٢) يعني المفعول لأجله وناصبه عنده مقدر من لفظه تقديره ، ضربته فأدبته تأديبا ، وقيل على حذف مضاف أي (ضرب تأديب) وعند الكوفيين (٣) أنه مصدر أيضا وعامله الموجود لأنه في معناه ، كما في (قعدت جلوسا) والبصريون جعلوه بابا مستقلا مفعولا لأجله ، وعامله الموجود بواسطة اللام.
قوله : (وشرط نصبه تقدير اللام) (٤) وذلك لأنها إن ظهرت جرته ، وإن لم تقدر لم تفهم منه العلة ، و (المفعول له) ينجر بالباء نحو : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا)(٥) وب (من) نحو : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا)(٦) و (جئت من
__________________
(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٩٢ ، وينظر شرح المصنف ٣٩.
(٢) والواقع أن الزجاج يقول بمصطلح المفعول له وذلك عند تفسيره لقوله تعالى في سورة البقرة في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) ١ / ٦٣ (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت).
قال الزجاج : والمعنى يفعلون ذلك لحذر الموت ، وليس نصبه لسقوط اللام ، وإنما نصبه أنه في تأويل المصدر كأنه قال : (يحذرون حذرا). وقال حذر الموت مفعول له ، ينظر شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٨١٥ ، والهمع ٣ / ١٣٣.
(٣) ينظر رأي الفريقين في شرح الرضي ١ / ١٩٢ ، والكتاب ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٨١٤.
(٤) ينظر شرح المصنف ٣٨.
(٥) النساء ٤ / ١٦٠ وتمامها : (... حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً ...).
(٦) المائدة ٥ / ٣٢ (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ...)