الاغتسال بقوله (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) وحتى غاية تقتضي أن يكون حكم ما بعدها بخلافها فذلك عموم في إباحة وطئها بانقطاع الدم كقوله تعالى (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فكانت هذه نهايات لما قدر بها وكان حكم ما بعدها بخلافها فكذلك قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) إذا قرئ بالتخفيف فمعناها انقطاع الدم وقالوا وقد قرئ (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بالتشديد وهو يحتمل ما يحتمله قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بالتخفيف فيراد به انقطاع الدم إذ جائز أن يقال طهرت المرأة وتطهرت إذا انقطع دمها كما يقال تقطع الحبل وتكسر الكوز والمعنى انقطع وانكسر ولا يقتضى ذلك فعلا من الموصوف بذلك.
واحتج من حظر وطأها في كل حال حتى تغتسل بقوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) فشرط في إباحته شيئين أحدهما انقطاع الدم والآخر الاغتسال لأن قوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) لا يحتمل غير الغسل وهو كقول القائل لا تعط زيدا شيئا حتى يدخل الدار فإذا دخلها وقعد فيها فأعطه دينارا فيعقل به أن استحقاق الدينار موقوف على الدخول والقعود جميعا وكقوله تعالى (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) فشرط الأمرين في إحلالها للأول فلا تحل له فأحدهما كذلك قوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) مشروط في إباحة الوطء المعنيان وهو الطهر الذي يكون بانقطاع الدم والاغتسال* قال أبو بكر قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) إذا قرئ بالتخفيف فإنما هو انقطاع الدم لا الاغتسال لأنها لو اغتسلت وهي حائض لم تطهر فلا يحتمل قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) إلا معنى واحدا وهو انقطاع الدم الذي به يكون الخروج من الحيض وإذا قرئ بالتشديد احتمل الأمرين من انقطاع الدم ومن الغسل لما وصفنا آنفا فصارت قراءة التخفيف محكمة وقراءة التشديد متشابهة وحكم المتشابه أن يحمل على المحكم ويرد إليه فيحصل معنى القراءتين على وجه واحد وظاهرهما يقتضى إباحة الوطء بانقطاع الدم الذي هو خرج من الحيض وأما قوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) فإنه يحتمل ما احتملته قراءة التشديد في قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) من المعنيين فيكون بمنزلة قوله (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) ويكون كلاما سائغا مستقيما كما تقول لا تطعه حتى يدخل الدار فإذا دخلها فأعطه ويكون تأكيدا لحكم الغاية وإن كان حكمنا بخلاف ما قبلها وإذا