له لما ثبت بما قدمنا من إيجابه الفصل بين التطليقتين بحيضة ثم عطف عليه بقوله ثم ليطلقها إن شاء علمنا أنه إنما أراد واحدة لا أكثر منها لاستحالة إرادته نسخ ما أوجبه بديا من إيجابه الفصل بينهما وما اقتضاه ذلك من حظر الجمع بين تطليقتين إذ غير جائز وجود الناسخ والمنسوخ في خطاب واحد لأن النسخ لا يصح إلا بعد استقرار الحكم والتمكن من الفعل ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول في خطاب واحد قد أبحت لكم ذا الناب من السباع وقد حظرته عليكم لأن ذلك عبث والله تعالى منزه عن فعل العبث وإذا ثبت ذلك علمنا أن قوله ثم ليطلقها إن شاء مبنى على ما تقدم من حكمه في ابتداء الخطاب وهو أن لا يجمع بين اثنتين في طهر واحد وأيضا فلو خلا هذا اللفظ من دلالة حظر الجمع بين التطليقتين في طهر واحد لما دل على إباحته لوروده مطلقا عاريا من ذكر ما تقدم لأن قوله ثم ليطلقها إن شاء لم يقتض اللفظ أكثر من واحد وكذلك نقول في نظائر ذلك من الأوامر أنه إنما يقتضى أدنى ما يتناوله الاسم وإنما يصرف إلى الأكثر بدلالة كقول الرجل لآخر طلق امرأتى إن الذي يجوز له إيقاعه بالأمر إنما هو تطليقة واحدة لا أكثر منها وكذلك قال أصحابنا فيمن قال لعبده تزوج أنه يقع على امرأته واحدة فإن تزوج اثنتين لم يجز نكاح واحدة منهما إلا أن يقول المولى أردت اثنتين وكذلك قوله فليطقها إن شاء لم يقتض إلا تطليقة واحدة وما زاد عليها فإنما يثبت بدلالة فهذا الذي قدمناه من دلالة الكتاب والسنة على حظر جمع الثلاث والاثنتين في كلمة واحدة قد ورد بمثله اتفاق السلف من ذلك ما روى الأعمش عن أبى إسحاق عن أبى الأحوص عن عبد الله أنه قال طلاق السنة أن يطلقها تطليقة واحدة وهي طاهر في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى وقال إبراهيم مثل ذلك وروى زهير عن أبى إسحاق عن أبى الأحوص عن عبد الله قال من أراد الطلاق الذي هو الطلاق فليطلق عند كل طهر من غير جماع فإن بدا له أن يراجعها وأشهد رجلين وإذا كانت الثانية في مرة أخرى فكذلك فإن الله تعالى يقول (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) وروى ابن سيرين عن على قال لو أن الناس أصابوا حد الطلاق ما ندم أحد على امرأة يطلقها وهي طاهر من غير جماع أو حاملا قد تبين حملها فإذا بدا له أن يراجعها راجعها وأن بدا له أن يخلى سبيلها وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا إسماعيل قال أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد