فوجب الحكم بإيقاع الجميع على أى وجه أوقعه من مسنون أو غير مسنون ومباح أو محظور* فإن قيل قدمت بديا في معنى الآية أن المراد بها بيان المندوب إليه والمأمور به من الطلاق وإيقاع الطلاق الثلاث معا خلاف المسنون عندك فكيف نحتج بها في إيقاعها على غير الوجه المباح والآية لم تتضمنها على هذا الوجه* قيل له قد دلت الآية على هذه المعاني كلها من إيقاع الاثنتين والثلاث الغير السنة وأن المندوب إليه والمسنون تفريقها في الأطهار وليس يمتنع أن يكون مراد الآية جميع ذلك ألا ترى أنه لو قال طلقوا ثلاثا في الأطهار وإن طلقتم جميعا معا وقعن كان جائزا وإذا لم يتناف المعنيان واحتملتها الآية وجب حملها عليهما فإن قيل معنى هذه الآية محمول على ما بينه بقوله (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) وقد بين الشارع الطلاق للعدة وهو أن يطلقها في ثلاثة أطهار إن أراد إيقاع الثلاث ومتى خالف ذلك لم يقع طلاقه* قيل له نستعمل الآيتين على ما تقتضيانه من أحكامهما فنقول إن المندوب إليه المأمور به هو الطلاق للعدة على ما بينه في هذه الآية وإن طلق لغير العدة وجمع الثلاث وقعن لما اقتضته الآية الأخرى وهي قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) وقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) إذ ليس في قوله (فَطَلِّقُوهُنَ) نفى لما اقتضه هذه الآية الأخرى على أن في فحوى الآية التي فيها ذكر الطلاق للعدة دلالة على وقوعها إذا طلق لغير العدة وهو قوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فلو لا أنه إذا طلق لغير العدة وقع ما كان ظالما لنفسه بإيقاعه ولا كان ظالما لنفسه بطلاقه وفي هذه الآية دلالة على وقوعها إذا طلق لغير العدة ويدل عليه قوله تعالى في نسق الخطاب (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) يعنى والله أعلم أنه إذا أوقع الطلاق على ما أمره الله كان له مخرجا مما أوقع إن لحقه ندم وهو الرجعة وعلى هذا المعنى تأوله ابن عباس حين قال للسائل الذي سأله وقد طلق ثلاثا إن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك ولذلك قال على بن أبى طالب كرم الله وجهه لو أن الناس أصابوا حد الطلاق ما ندم رجل طلق امرأته * فإن قيل لما كان عاصيا في إيقاع الثلاث معا لم يقع إذ ليس هو الطلاق المأمور به كما لو وكل رجل رجلا بأن يطلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار لم يقع إذا جمعهن في طهر واحد* قيل له أما كونه عاصيا في الطلاق