عمران وسورة الأعراف.
ثمّ يضيف القرآن قائلا : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) والإشارة للبعيد بلفظ (تلك) لبيان عظمة هذه الآيات السماوية ، والتعبير بـ (المبين) تأكيد على أنّ القرآن واضح بنفسه وموضح للحقائق أيضا (١).
وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتمل أنّ التعبير بـ (الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) إشارة إلى معنيين مستقلين ، وأن «الكتاب المبين» يراد منه اللوح المحفوظ ... إلّا أن ظاهر الآية يدلّ على أنّ كلاهما لبيان حقيقة واحدة ، فالأوّل في ثوب الألفاظ والتلاوة ، والثّاني في ثوب الكتابة والرسم.
وفي الآية التالية وصفان آخران للقرآن إذ تقول : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ... الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
وهكذا فإن اعتقاد المؤمنين راسخ في شأن المبدأ والمعاد ، وارتباط متين بالله وخلقه أيضا ... فالأوصاف المتقدمة تشير إلى اعتقادهم الكامل ومنهجهم العملي الجامع!.
وهنا ينقدح سؤال وهو : إذا كان هؤلاء المؤمنون قد اختاروا الطريق السوي ، من حيث المباني الاعتقادية والعملية ، فما الحاجة لأنّ يأتي القرآن لهدايتهم؟!
ويتّضح الجواب بملاحظة أنّ الهداية لها مراحل مختلفة ، وكل مرحلة مقدمة لما بعدها ،.
ثمّ إنّ استمرار الهداية مسألة مهمّة ، وهي ما نسألها الله سبحانه ليل نهار بقولنا:(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ليثبتنا في هذا المسير ، ويجعلنا مستمرين فيه بلطفه ، فلو لا لطفه لما كان ذلك ممكنا لنا ...
__________________
(١) «المبين» مشتق من (الإبانة) وكما يقول بعض المفسّرين «كالآلوسي في روح المعاني» : إنّ هذه المادة قد يأتي فعلها لازما ، وقد يأتى متعديا ففي الصورة الأولى يكون مفهوم المبين هو الواضح والبيّن ، وفي الصورة الثّانية يكون مفهومه الموضح!