مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ).
وبتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات ، وبصورته المستقلة والمطلقة غير المحدودة ، خاصّ بالله سبحانه ، وكل علوم الآخرين مسترفدة من علمه تعالى. ولكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضا ، ولا يعلم بها أحد «إلّا الله» (١).
ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم ، فيقول : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ).
«ادّارك» في الأصل «تدارك» ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل ، فمفهوم جملة : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير ، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ). لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا ، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع ، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء! ... ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود ، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت ، إلّا أنّهم كالعمي الذين لا يبصرون كل شيء!
وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه ، منها أنّ المراد من (ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة ، إلّا أنّهم عمي عنها.
وقال بعضهم : إنّ المراد منها أنّهم عند ما تكشف الحجب في يوم الآخرة ، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.
__________________
(١) كان لنا بحوث مفصلة في علم الغيب في الأجزاء السابقة في هذا التّفسير.