إلّا أنّ هؤلاء المنكرين المعاندين ، بدلا من أن يأخذوا إنذار النّبي المشفق عليهم مأخذ الجد فيتعظوا بوعظه ويستر شدوا بنصحه ، أخذوا يسخرون منه (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
ومع أنّ المخاطب هو النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّ الموضوع ذكر بصيغة الجمع «إن كنتم صادقين» لأنّ المؤمنين الصادقين كانوا قد ضموا صوتهم إلى صوت النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ... فهم مخاطبون بما خوطب به كذلك!
وهنا يردّ القرآن على استهزائهم وسخريتهم بلهجة موضوعية ، فيقول مخاطبا نبيّه : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ).
فعلام تستعجلون؟! وعلام تستصغرون عقاب الله؟! أفلا ترحمون أنفسكم؟! ترى ، هل عذاب الله ضرب من الهزل أو المزاح؟ فعسى أن يأخذكم الله بعذابه لكلامكم هذا فيهلككم ... فلم هذا العناد واللجاجة؟!
«ردف» فعل مشتق من (ردف) على وزن (حرف) ومعناه كون الشيء خلف الشيء الآخر ، ولذا يطلق على من يركب الفرس خلف صاحبه (رديف) كما يطلق الرديف على الأشخاص أو الأشياء التي تقف صفا واحدا بعضها خلف بعض.
وهناك كلام عن المراد من العذاب الذي كانوا يستعجلون به ، فقيل : هو ما أصابهم يوم بدر من هزيمة كبرى ، إذ صرع من عتاتهم سبعون رجلا وأسر سبعون رجلا!.
كما ويحتمل أنّ المراد منه العقاب العام الذي دفع أخيرا ، ببركة وجود النّبي إذ كان رحمة للعالمين ، والآية (٣٣) من سورة الأنفال شاهدة عليه (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).
والتعبير بـ «عسى» لعله على لسان النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وحتى لو كان من قبل الله سبحانه ـ فعلى خلاف ما يتصوّره بعضهم ، فإنّه ليس فيه أي إشكال ... إذ هو إشارة إلى وجود مقدمات الشيء ومقتضياته ، مع إمكان أن تقترن هذه المقدمات